بقلعة مصر، قابل صدور العلماء، ومنهم الشيخ عبد اللّه الشبراوي شيخ الأزهر فتكلم معهم في الرياضيات، فقالوا له لا نعرف هذه العلوم، فتعجب وسكت» وكان الشبراوي يتردد على الباشا يوم الجمعة، اذ كان خطيب جامع السراي فقال له الباشا «المسموع عندنا بالديار التركية ان مصر منبع الفضائل والعلوم، وكنا في غاية الشوق الى المجيء اليها، فلما جئتها وجدتها كما قيل «تسمع بالمعيدي خير من ان تراه»، فقال له الشيخ: يا مولاي، هي كما سمعتم معدن العلوم والمعارف»، فقال: «و اين هي وانتم اعظم علمائها وقد سألتكم عن بعض العلوم فلم تجيبوني، وغاية تحصيلكم الفقه والوسائل، ونبذتم المقاصد»، فقال الشيخ: «نحن لسنا أعظم علمائها، وانما نحن المتصدرون لقضاء حوائجهم، وأغلب أهل الأزهر لا يشتغلون بالرياضيات، الا بقدر الحاجة لعلم المواريث».
واستمر الحال كذلك من اهمال تدريس العلوم الرياضية والطبيعية والفلسفية، فقد نهى أهل الأزهر عن قراءتها ونسبوا الكفر لمن يطالعها، وفعلوا ذلك مع جمال الدين الأفغاني عند حضوره الى مصر عام 1288 ه، وكان قد رأى ما آلت اليه حالة تلك العلوم، فأوقف جهوده على نشرها، مستعينا في ذلك بتلميذيه الشيخ محمد عبده والشيخ عبد اللّه وافي الفيومي.
وقد تنبه لتلك الحالة في الأزهر كثير من الأساتذة والعلماء وكثير من أمراء مصر ووزرائها، فسعوا الى إعادة تدريس تلك العلوم ولكنهم خشوا الطفرة ونتائجها، فتحايلوا باستطلاع رأي بعض كبار العلماء تمهيدا لذلك.
فأوعزوا الى الشيخ محمد بيرم قاضي محكمة مصر حينذاك بمقابلة المرحومين الشيخ محمد الأنبابي شيخ الإسلام والشيخ محمد البنا مفتي الديار المصرية. واتفقوا على أن يفتى لهما الشيخ محمد الأنبابي في الأمثلة الآتية: «ما قولكم رضي اللّه عنكم، هل يجوز تعلم المسلمين للعلوم الرياضية مثل الهندسة والحساب والهيئة والطبيعات وتركيب الأجزاء المعبر عنها بالكيمياء وغيرها من سائر المعارف، ولا سيما ما ينبني عليه زيادة القوة