والأطباء والمهندسين. خلفوا لنا بعد ان بارحوا الأرض المصرية كثيرا من الأبحاث والدراسات كانت دعامة لمن أتى بعدهم من الباحثين فأنشأوا معامل كيميائية ورسموا خرطا جغرافية وعملوا أبحاثا طبية لمس فيها علماء مصر ومفكروها مظاهر حضارة جديدة لم يعرفوها من قبل. كما احضرت الحملة المطبعة، وأنشأت الصحف والمدارس والمكتبات العامة، وعنيت بالفنون الجميلة والبحث عن الآثار القديمة، فتيقظ في الناس الشعور بحاجتهم الى التهذيب الخلقي والرقي الفكري والعلمي. ثم الى الانفصال الذي شغلوا به في هذا العهد الحديث.
- 5 -
فلما جاء محمد علي وجه عنايته الى التعليم العملي وحمل الناس عليه حملا، ولم يكن في مصر كلها في ابتداء عهده معهد محترم إلا الأزهر حيث كانت تدرس العلوم اللغوية والدينية بذلك الأسلوب العتيق، والا تلك (الكتاتيب) المنبثة في القرى حيث تحفظ القرآن وتدرس الكتابة والقراءة بالرهبة لا بالرغبة. فأنشأ محمد علي المدارس المختلفة، وأرسل البعوث العلمية إلى أوروبا.
ومن المدارس التي أنشأها: الطب والهندسة والالسن والفنون والصنائع وكثيرا من المدارس الابتدائية والتجهيزية فأضر ذلك بالأزهر ضررا بليغا، فنافست تلك المدارس الأزهر منافسة قوية، وحولت عنه كثيرا من طالبي العلم.
وكان الأزهريون يعتبرون من عاد من أعضاء البعثات الاوروبية متفرنجا، وظلوا يسخرون من المصريين الذي تعلموا في أوروبا.
وظل الحال على هذا المنوال في عهد إبراهيم باشا وعباس الأول وسعيد باشا، إلا أن حركة الاصلاح كانت قد فترت وظهرت فكرة الجمود والاستبداد في الحياة العلمية والأدبية والفكرية، فقد كان عباس باشا لا يهتم كثيرا بشئون التعليم وان كان الأزهر قد حظي ببعض زياراته، الى ان حدث الانقلاب الكبير في عهد إسماعيل.