كتاب الأزهر في ألف عام (اسم الجزء: 2)

العقليات لأنها ابتعدت عن التصنع والزخرفة الفارغة، وله قدرة جليلة على حسن الاختيار من بدائع المنقول، فهو يعرف كيف يقتطف لباب الغير وأروع الحوادث من كتب المتقدمين وكذلك يعرف كيف يختار لها المناسبة ويعطيها اللائق بها، فكثير من الناس لا يعرفون كيف يستفيدون من تلك العبر والحوادث وهي بين أيديهم، فلا غرابة اذا هم لم يفيدوا بها وإذا فهموها فربما سولت لهم أنفسهم أن يستغلوا تأويلها في مآربهم الخاصة كما جرى على هذه الطريقة كثير من تجار النفاق. وأنت إذا قرأت منقول الدجوى، اطمأنت نفسك اليه وارتاحت من عناء البحث والتنقيب وتعقيب المطولات، فإنه إذا نقل حفظ الامانة وأشار الى خلافها كما أنه يبنى عليه المعقول البديع الذي يخلب الألباب، وينادم الأفكار الحرة المجردة من قيود التعصب الأعمى والتقليد الطائش، وتكاد تلمس تحكمه في معقوله تحكما ينطبق على الواقع ويلائم الأحوال.
ولع بالعلوم الدينية صغيرا ولم يكن ولعه مقصورا على الكسب والدرس، بل أفسح لدماغه التجول والمناقشة والنقد للرواية والدراية فظهر نبوغه بين أقرانه ورمقته عيون الحاسدين فلم تنل منه شيئا إنما زادته جرأة وحرية أوسع، ثم جمع بين العلم والزمان فرأى مفهوم العلم عند بعض الناس يناقض حاجة العصر. حيث إن بعض العلماء عاجزون عن التوفيق بينهما وذلك لأن فهمهم استمد من حالات قديمة تختلف كل الاختلاف عن الأحوال الراهنة. وقب، أما اليوم فليحارب وليثبت ولهذا كان (الدجوي) يسعى في التوفيق ليوحد رأي العلماء ويكون منهم جبهة مناضلة بقوة العلم الحقيقي، ليقضوا على الأدعياء الكاذبين، فهو بطل العلم وحامل لواء نهضته.
هذه ناحية من جهاده تريك تأثيره القوي وما كان له من الكلمة النافذة في حياته عند المفكرين والجماهير.

الشيخ عبد الحكم عطا
كان مولده سنة 1865 في «نواى ملوى-أسيوط» من أسرة كريمة، فوالده المرحوم الشيخ عطا عبد الفتاح كان عالما جليلا مشهورا بالتقوى،

الصفحة 56