كتاب الأزهر في ألف عام (اسم الجزء: 2)

وأباحت الحكومة الخمر والميسر، وانتشرت الحانات، وأنواع القمار، في النوادي والأمكنة العامة، وفي المدن والقرى والطرقات ومنازل الأثرياء، فلم يعرف عن رجال الدين أنهم عارضوا الحكومة معارضة جدية في انها أحلت ما حرم اللّه.
وفي عهدنا الحاضر ذاع الفساد، وتحللت الأخلاق، واستشرى الداء، وخلعت المرأة العذار. وهجرت المنزل وخالطت الرجال على شواطىء البحار-عرايا-و في النوادي العامة، وفي الحفلات الزاخرة بالمجانة والعبث والهوى والعربدة، ونبذت التقاليد الصالحة الموروثة وهجر الدين، وزال طابعه في مقدرات البلاد ومعنوياتها ولم يدرس دراسة تعليمية تطبيقية نافعة في المدارس والجامعات. وقعت تلك الأحداث الخطيرة الفاجعة، فلم نر جمهرة العلماء ورجال الدين يجمعون جموعهم، ويرفعون عقائرهم بالانكار والاحتجاج على أولي الأمر من أجل هذه المنكرات الشائعة، وهذه المقابح الظاهرة، وما رأينا أحدهم غامر وجاهد في سبيل اللّه، حتى ناله الضر في نفسه او رزقه، لم نر شيئا من ذلك ولم نسمع به، بل كل ما نفعله هو أن نكتب في الصحف، وأن نرفع العرائض الفاترة لأولياء الأمر، وهم لا يحركون ساكنا، ولا نحرك نحن ساكنا كذلك، زعما بأننا أدينا واجبنا بالخطابة والعرائض وبالكلام وعلى الورق.
وتفرقت البلاد أحزابا وشيعا، وانشقت على نفسها أقساما وفرقا، وتزعم كل فريق زعيم يدعو الى شخصه، وإلى تولي الحكم دون الآخرين، حتى نسي القوم قضية الوطن، وإصلاح أداة الحكم وشئون البلاد، ورجال الدين يتفرجون على الموقف، على حين أن اللّه أمرهم بإصلاح ما فسد من أحوال المسلمين، ورتق ما تصدع من أمورهم «إِنَّمَا اَلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ، وَاِتَّقُوا اَللّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» فلم نجتمع ولم ندع المتخاصمين إلى الصلح، والمتنازعين إلى التفاهم والمتفرقين إلى الاتحاد، والمدبرين إلى الرجوع إلى الحق، ولم نقل كلمة الدين في المخالف، حتى يفيء إلى أمر اللّه، وحتى ننقد البلاد من البلاء المسلط عليها، والمحيط بها من كل

الصفحة 72