كتاب الأزهر في ألف عام (اسم الجزء: 2)

أسلحة متكافئة، وأن المنافسة في معركة الحياة الاقتصادية ليست متساوية كما هو معروف في الاقتصاد الغربي-هذا الذي قيل-منفى في الاقتصاد الإسلامي، فالإسلام قد قرب أصحاب الملكيات بعضهم من بعض بما شرعه في نظام الوصية والإرث والزكاة، وجعل الارث أنصبة متعددة، وشمول الزكاة ثمانية أصناف «إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب والغارمين، وفي سبيل اللّه وابن السبيل».
ونضيف إلى ما قدمنا تحريم الربا لكيلا يثرى أحد من عمل على حساب غيره، وتحريم لعب الميسر لكيلا يثرى أحد بطرق الحظ. هذه الاعتبارات كلها إذا روعيت كعهد المسلمين من قبل لا تدع أحدا محروما من سلاح يزاحم به مضمار الحياة، ففي الإرث يدور دولاب تجزئة رأس المال باستمرار، ولا يجيء عام جديد حيث يبدأ صندوق الزكاة إلا ترى المال يدور في أيدي جميع الأصناف، حتى من أثقلتهم الديون، فإن صندوق الزكاة يدفع عنهم مغارمهم، ويسلحهم من جديد ليدخلوا السوق آمنين مطمئنين، فأي ضمان للناس بعد هذا؟ وما عيب الرأسمالية في الإسلام؟
أما الحرية التي هي شرط في الاقتصاد الرأسمالي الغربي، وعدت من عيوبه، فإن هذا العيب منتف في الاقتصاد الاسلامي، فالحرية في الاقتصاد الغربي تسير مطلقة لا تقف عند حد، حتى انقلبت تلك الحرية الى فوضى، مما اضطر أصحابها إلى إتلاف الحاصلات أحيانا للاحتفاظ بالأسعار العالية، أما هذه الحرية في الاقتصاد الإسلامي، فمقيدة بقيدين هما: العامل الأخلاقي والمصلحة الاجتماعية، ويتدخل ولي الأمر في السوق حين يرى تنكب التجار أصول التعامل، ويضرب بيد من حديد على أيدي المحتكرين المتحكمين في الأسواق، والعازفين عن المصلحة العامة، وكان عمر بن الخطاب يمشي في الأسواق ومعه الدرة يؤدب بها ذوي الأثرة والطامعين في الكسب الحرام. والحسبة معروفة في الإسلام، وكان رجالها يقام لهم في الأسواق وزن واعتبار.

الصفحة 75