كتاب الأصول في النحو (اسم الجزء: 2)

وبينَ أبيه, وقد رأينا ما كانَ من سببه يحلُّ محلَّهُ في أَبوابٍ؟ فالجوابُ في ذلك: أنَ المفعولَ منفصلٌ مستغنٍ عنهُ بمنزلةِ ما ليس في الكلامِ، وإنما ينبغي أن يصححَ الكلامُ بغير مفعولٍ ثم يؤتى بالمفعول فضلةً, وأنت إذا قلت: "أزيدًا ضَربَ" فَلو حذفتَ المفعول بطلَ الكلامُ، فصار المفعولُ لا يستغنى عنه، وإنما الذي لا بدّ منه مع الفعلِ الفاعلُ. وكذلك1 لا تقول: "أَزيدًا ظنهُ منطلقًا" لأن الفاعلَ إذا مَثُلَ بطلَ فصرتَ إنْ قدمتهُ لتضعهُ في موضعه، صار "ظَنَّ زيدًا منطلقًا" فأضمرتَ قبلَ الذكرِ، ولكن لو قلت: "ظنهُ زيدٌ قائمًا" وإياهُ ظُن زيدٌ أَخًا, كان أجود كلامٍ؛ لأنَّ فِعلَ زيدٍ يتعدى2 إليه في باب "ظننتُ وعلمتُ وأَخواتهما" ولا يتعدى إليه في "ضَربَ" ونحوه، ألا ترى أنكَ تقول: "غلامُ هندٍ ضَربَها" فترد الضمير إليها لأنها3 مستغنٍ عنها؛ لأنكِ لو قلت: "غلامُ هندٍ ضَربَ" لم تحتج إلى المفعول، فلما كانت في ذكرك رددتَ إليها وحلتْ محل الأجنبي, ولو قلتَ: "غلامُ هندٍ ضربتَ" تجعل ضمير هندٍ الفاعل لكان غلطًا عند بعضهم لأن هندًا من تمام الغلام, والغلامُ مفعولٌ, فقد جعلت المفعول الذي هو فضلة لا بدّ منه ليرجع الضمير الذي هو الفاعلُ إليه, فإن قلت: فما بالي أقول: "غلامُ هندٍ ضاربتهُ هي" فيجوز واجعل هِيَ إنْ شئت إظهارَ الفاعل وهو "لهند"4، وإنْ شئت ابتداءً وخبرًا، فالجواب فيه أنه إنما جازَ هنا لأن الغلام مبتدأٌ و"ضاربتهُ" على هذا التقدير مبتدأٌ والفاعلُ يسدُّ مسدَّ الخبرِ, فهو منفصلٌ بمنزلةِ الأجنبي, ألا ترى أنَّكَ لو وضعتَ مكانَ "هي" جاريتَكَ أو غيرها استقامَ، والفاعلُ المتصلُ لا يحل محلَّهُ غيرهُ، فإن قلت أَفتجيزُ: "غلامُ هندٍ ضاربتُه هي" تجعلُ "هي" إن شئتَ ابتداءً مؤخرًا وإن شئتَ جعلت "ضاربتُه"5 ابتداءً، و"هي" فاعلٌ يسدُّ مسد
__________
1 في "ب" فكذلك.
2 في "ب" عليه.
3 في "ب" لأنه.
4 في "ب" لهند.
5 في "ب" ضاربته ضاربة.

الصفحة 242