كتاب الأصول في النحو (اسم الجزء: 2)

ومنهم من يقول: إنها إذا وقعت بمعنى1 المصدر فهي أيضًا التي تقومُ مقامَ "الذي" ولا أعلم أحدًا من البصريين يجيز أن تكون "الذي" بغير صلة, ولا يجيز أحدٌ منهم أن تكون صلتها ليس فيها ذكرها إما مظهرًا وإما محذوفًا, ولا أعرف لمن ادعى ذلك في "الذي" حجة قاطعة, وقوله عز وجل: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} قد بينت ذلك: أن الأفعال كلها ما يتعدى منها وما لا يتعدى فإنه2 يتعدى إلى المصدر بغير حرف جر, وتقول: "ما تضربُ أخويك عاقلين" تجعل "ما" وتضرب في تأويل المصدر, كأنك قلت: "ضَرْبُكَ أَخويكَ إذا كانا عاقلين وإذْ كانا عاقلينِ" ولا يجوز أن تقدم "عاقلين" فتقول: "ما تضرب عاقلينِ أَخويكَ" ولا يجوز أيضًا: ما عاقلينِ تضربُ أَخويكَ, وإنما استحال ذلك3 من قبل أن صلة "ما" لا يجوز أن تفصل بين بعضها وبعض, ولا بين "ما" وبينها بشيءٍ ليس من الصلة. وتقول: الذي تضربُ أَخوينا "قبيحينِ" تريد: "إذا كانا قبيحينِ" فإن قلت: قبيحٌ, رفعت فقلت: "الذي تضربُ أخوينا قبيحٌ".
واعلم: أن هذه الأسماء المبهمة التي توضحها صلاتها لا يحسن أن توصف بعد تمامها بصلاتها؛ لأنهم إذا أرادوا ذلك أدخلوا النعت في الصلة إلا "الذي" وحدها لأن "الذي" لها تصرف ليس هو لمنْ وما, ألا ترى أنك تقول: "رأيتُ الرجلَ الذي في الدار" ولا تقول: رأيتُ الرجلَ مَنْ في الدار, وأنت تريد الصفة وتقول: "رأيتُ الشيءَ الذي في الدار" ولا تقول: "رأيتُ الشيءَ ما في الدار" وأنت تريد الصفة, فالذي لما كان يوصف بها حَسُنَ أن توصف, و"مَنْ وما" لما لمْ يجز أن يوصف بهما لم يجز أن يوصفا, ويفرق بين الذي وبين "مَنْ" وما, أن الذي تصلح لكل موصوف مما يعقل ولا يعقلُ, وللواحد العلم وللجنس, وهي تقوم -في كل موضع- مقام الصفة و"مَنْ"
__________
1 في "ب" على معنى.
2 فإنه، ساقط في "ب".
3 ذلك، ساقط من "ب".

الصفحة 341