كتاب الأصول في النحو (اسم الجزء: 2)

فينا الذي ترغب" ووحدت "الذي" في التثنية والجمع, قال الله عز وجل: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} 1 يريد: كخوضهم, ويقولون على هذا القياس: "أنت فينا الذي ترغبُ" وأنتما فينا الذي ترغبان, وأنتم فينا الذي ترغبونَ, وكذاك المؤنث: "أنتِ فينا الذي ترغبينَ" تريد: "أنتِ فينا رغبتُك" ولا تثنى "الذي" ولا تجمع2 ولا تؤنث, وكذاك: "الذي تضربُ زيدًا قائمًا, وما تضربُ زيدًا قائمًا" تريد: "ضربكَ زيدًا قائمًا" قالوا: ولا يجوز هذا في "إنْ" لأن "إنْ" أصله الجزاء3 عندهم، وإذا4 قدمت رجلًا والرجل, والذي وهو ملغى كان خطأ في قول الفراء قال: إنه لا يلغى متقدمًا, وقال الكسائي: تقديمه وتأخيره واحد. وإذا قلت: "أين الرجلُ الذي قلتَ؟ وأينَ الرجلُ الذي زعمتَ؟ " فإن العرب تكتفي "بقلتُ وزعمتُ" من جملة الكلام الذي بعده؛ لأنه حكاية, تريد: الذي قلتَ: إنه من أمره كذا وكذا وقد كنت عرفتك أن العرب لا تجمع بين الذي، والذي5 ولا ما كان في معنى ذلك شيءٌ قاسهُ النحويون ليتدرب به المتعلمون, وكذا يقول البغداديون الذين على مذهب الكوفيين يقولون: إنه ليس من كلام العرب, ويذكرون أنه إن اختلف جاز, وينشدون:
مِنَ النَّفَرِ اللاَّئِي الَّذِينَ إذَا هُمُ ... يَهَابُ اللِّئَامُ حَلْقَةَ البَابِ قَعْقَعُوا6
__________
1 التوبة: 69.
2 "تجمع" ساقط من "ب".
3 قال سيبويه 1/ 434: وزعم الخليل أن "إن" هي أم حروف الجزاء.
4 في "ب" فإذا.
5 انظر: المقتضب 3/ 130، وشرح الرضي 2/ 43.
6 اختلف في رواية هذا الشاهد، فرواه صاحب الموشح:
من النفر البيض الذين إذا اعتزوا ... وهاب اللئام....
ورواه القالي:
من النفر البيض الذين إذا انتموا ... وهاب اللئام ...
ورواه الجاحظ:
من النفر البيض الذين إذا انتموا ... وهاب الرجال حلقة الباب قعقعوا
وكذلك روى: من النفر الشم ...
والنفر: اسم جمع يقع على جماعة من الرجال خاصة، ما بين الثلاثة إلى العشرة ولا واحد له من لفظه. وإنما أطلقه الشاعر هنا على الكرام إشارة إلى أنهم ذوو عدد قليل. واللئام جمع لئيم، وهو الشحيح والدنيء النفس والمهيمن، واللؤم: ضد الكرم، وحلقة بفتح اللام جمع: حالق، وحلقة القوم وهم الذين يجتمعون مستديرين, وقعقعوا بمعنى: ضربوا الحلقة على الباب ليصوت. ونسب البغدادي هذا الشاهد إلى الربيس بن عباد بن عباس بن عوف.
وانظر: الحيوان للجاحظ 3/ 486، والموشح للمرزباني 245, والكامل للمبرد 103, وشرح الكافية 2/ 50, والخزانة 2/ 530.

الصفحة 354