وكذلك قلت: اللهُ عز وجلَّ: ما رأَيت أيامًا أحب إليه فيها الصوم، لأضمرته في "إليهِ" ومنه للصوم، كما كان للكحلِ، وأما قولُهُ: إلى اللهِ فتبيينٌ لأحب، وأحسن لا يحتاج إلى ذلك، ألا ترى أنك تقول: زيد أحسن من عمرٍو، فلا تحتاج إلى شيء، وتقول: زيد أحب إلى عمرٍو منكَ، فقولك: إلى عمرٍو كقولك: إلى الله في المسألة الأولى، ولو قلت: ما رأيتُ رجلًا أحسن في عينه الكحلُ عند عمرٍو منهُ في عينِ أخيكَ كان بمنزلة ذلك؛ لأن قولك عندَ عمرٍو قد صار مختصرًا كقولك: إلى اللهِ في تلك المسألةِ وأما قولهم: ما رأيت رجلًا أبغضَ إليه الشرُّ من زيدٍ, وما رأيت رجلًا أحسنَ في عينه الكحل من زيدٍ, فإنما هو مختصر من الأول, والمعنى: إنما هو الأول لا أنك فضلت الكحل على زيدٍ ولكنك أخبرت أن الكحل في عين زيدٍ أحسنُ منه في غيرها, كما أردت في الأول, ولكنك حذفت لقلة التباسه وليست "مِنْ" ههنا بمنزلتها في قولك: ما رأيتُ رجلًا أحسنَ من زيدٍ؛ لأنكَ هنا تخبر أنك لم ترَ من يتقدم زيدًا وأنت في الأول تخبر أنك لم ترَ من يعمل الكحل في عينه عمله في عين زيدٍ, فتقديره: ما رأيت رجلًا أحسنَ كحلًا في عينٍ من زيدٍ, لما أضمرت رجلًا في "أحسَن" نصبت كحلًا على التمييز ليصح معنى الاختصار.
الثالث من التوابع: وهو عطف البيان.
اعلم: أن عطف البيان كالنعت والتأكيد في إعرابهما وتقديرهما، وهو مبين لما تجريه عليه كما يبينان، وإنما سمي عطف البيان ولم يقل أنه نعت؛ لأنه اسم غير مشتق من فعل، ولا هو تحلية، ولا ضرب من ضروب الصفات فعدل النحويون عن تسميته نعتًا.
وسموه عطف البيان لأنه للبيان، جيء به وهو مفرق بين الاسم الذي يجري عليه وبين ما له مثل اسمه نحو: رأيتُ زيدًا أبَا عمرٍو, ولقيت أخاكَ بكرًا.