كتاب غاية الأماني في الرد على النبهاني (اسم الجزء: 2)

المشركون في زيارة القبور هو الشفاعة التي ظنوا أن آلهتهم تنفعهم بها وتشفع لهم عند الله تعالى.
قالوا: فإن العبد إذا تعلقت روحه بروح الوجه المقرب عند الله وتوجه بهمته إليه وعكف بقلبه صار بينه وبينه اتصال يفيض به عليه منه نصيب مما يحصل له من الله، وشبهوا ذلك بمن يخدم ذا جاه وحظوة وقرب من السلطان، فهو شديد التعلق به، فما يحصل لذلك من السلطان من الإنعام والإفضال ينال ذلك المتعلق به بحسب تعلقه به.
فهذا سر عبادة الأصنام، وهو الذي بعث الله رسله وأنزل كتبه بإبطاله، وتكفير أصحابه ولعنهم، وأباح دماءهم وأموالهم وسبي ذراريهم، وأوجب لهم النار، والقرآن من أوله إلى آخره مملوء من الرد على أهله وإبطال مذهبهم".
ثم سرد عدة آيات ونصوص من ذلك، وتبين منها أن المشركين إنما عبدوا من عبدوا بسبب اتخاذ من سوى الله وسائط بينهم وبينه، فإذا أشرك بهم المشرك واتخذهم شفعاء من دونه ظناً منه أنه إذا فعل ذلك تقدموا وشفعوا له عند الله فهو من أجهل الناس بحق الرب وما يجب له وما يمتنع عليه، فإن هذا ممتنع، إذ كيف يقاس الرب تعالى على الملوك والكبراء، حيث يتخذ الرجل من خواصهم وأوليائهم من يشفع له عندهم في الحوائج؟ وبهذا القياس الفاسد عبدت الأصنام، واتخذ المشركون من دون الله الشفيع والولي، والفرق بينهما هو الفرق بين المخلوق والخالق، والرب والعبد، والمالك والمملوك، والغني والفقير، والذي لا حاجة به إلى أحد قط، والمحتاج من كل وجه إلى غيره، فالشفعاء عند المخلوقين هم شركاؤهم، فإن قيام مصالحهم بهم، وهم أعوانهم وأنصارهم الذين قيام الملوك والكبراء بهم، ولولاهم لما انبسطت أيديهم وألسنتهم في الناس، فلحاجتهم إليهم يحتاجون إلى قبول شفاعتهم وإن لم يأذنوا فيها ولم يرضوا عن الشافع، لأنهم يخافون أن يردوا شفاعتهم فتنقص طاعتهم لهم ويذهبون إلى غيرهم، فلا يجدون بداً من قبول شفاعتهم على الكره والرضى، فأما الغنى الذي

الصفحة 12