كتاب غاية الأماني في الرد على النبهاني (اسم الجزء: 2)

غناه من لوازم ذاته وكل ما سواه فقير إليه بذاته وكل من في السموات والأرض عبيد له مقهورون بقهره مصرَّفون بمشيئته لو أهلكهم جميعاً لم ينقص من عزه وسلطانه وملكه وربوبيته وإلهيته مثقال ذرة. ثم ذكر الدلائل القرآنية على ذلك مما يطول ذكره فراجع كتابه وهو بين الأيدي.
فتبين مما نقلناه من عبارته ما لبس به النبهاني وحذف ليروج غرضه الفساد، وهو اتخاذ الوسائط بينه وبين الله بناء على ما جوزه من قياس الخالق على المخلوق، وعلى كلامه الفاسد ينبغي أن تجوز كل عبادة لله أن تجعل لغيره، ويقال إنه واسطة كما أن الوزير واسطة بين الناس وبين الملك.
هذا الذي ذكره ابن القيم قد سبقه به شيخه، وذكر مثله في مواضع، منها ما قاله في رسالة الواسطة حيث نص فيها: أن من أراد بالواسطة أنه لا بد من واسطة في جلب المنافع ودفع المضار -مثل أن يكون واسطة في رزق العباد ونصرهم وهداهم يسألونه ذلك ويرجعون إليه فيه- فهذا من أعظم الشرك الذي كفر الله به المشركين، حيث اتخذوا من دون الله أولياء وشفعاء يجتلبون بهم المنافع ويدفعون بهم المضار، لكن الشفاعة لمن يأذن الله له فيها حق، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} 1. وذكر نصوصاً أخر، إلى أن قال: "ومثل هذا كثير في القران، ومن سوى الأنبياء -من مشايخ العلم والدين- فمن أثبتهم وسائط بين الرسول وأمته يبلغونهم ويعلمونهم ويؤدبونهم ويقتدون بهم؛ فقد أصاب في ذلك، وهؤلاء إذا أجمعوا فإجماعهم حجة قاطعة لا يجتمعون على ضلالة، وإن تنازعوا في شيء رُدَّ إلى الله والرسول، إذ الواحد منهم ليس بمعصوم على الإطلاق، بل كل واحد من الناس يؤخذ من كلامه ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "العلماء ورثة الأنبياء، فإن الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه فقد أخذ بحظّ وافر"2. وإن أثبتهم وسائط بين الله وبين
__________
1 سورة السجدة: 4.
2 حديث صحيح بشواهده. أخرجه أحمد (5/ 196) أو رقم (21806، 21807- قرطبة) وأبو = داود (1 364! والترمذي (2682) وابن ماجه (223) وغيرهم.
وانظر: تعليقي على الحديث رقم (7، 8) من كتاب "أخلاق العلماء" للآجري.

الصفحة 13