كتاب غاية الأماني في الرد على النبهاني (اسم الجزء: 2)
خلقه كالحُجّاب الذين بين الملك ورعيته -بحيث يكونون هم يرفعون إلى الله حوائج خلقه، فالله إنما يهدي عباده ويرزقهم بتوسطهم، فالخلق يسْأَلُونهم هم يَسألون الله، كما أن الوسائط عند الملك يسألون الملك الحوائج للناس لقربهم منه، والناس يسألونهم أدباً منهم أن يباشروا سؤال الملك، أو لأن طلبهم من الوسائط أنفع لهم من طلبهم من الملك لكونهم أقرب من الطالب للحوائج- فمن أثبتهم وسائط على هذا الوجه فهو كافر مشرك، يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل.
وهؤلاء مشبهون لله شبهوا المخلوق بالخالق، وجعلوا لله أنداداً قال: وفي القرآن من الرد على هؤلاء ما لا تتسع له هذه الفتوى، فإن الوسائط التي بين الملوك وبين الناس يكونون على أحد وجوه ثلاثة:
إما لإخبارهم من أحوال الناس بما لا يحرفونه، ومن قال إن الله تعالى لا يعلم أحوال عباده حتى يخبره بها بعض الملائكة أو الأنبياء أو غيرهم فهو كافر، بل هو سبحانه يعلم السر وأخفى، ولا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، وهو السميع البصير، يسمع ضجيج الأصوات، باختلاف اللغات على تفنن الحاجات، لا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه المسائل، ولا يتبرم بإلحاح الملحين.
والوجه الثاني: "أن يكون الملك عاجزاً عن تدبير رعيته ودفع أعدائه إلا بأعوان يعينونه، فلا بد له من أنصار وأعوان لذله وعجزه، والله سبحانه ليس له ظهير ولا ولي من الذل، قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} 1 وقال تعالى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ
__________
1 سورة سبأ: 22.
الصفحة 14
496