كتاب غاية الأماني في الرد على النبهاني (اسم الجزء: 2)
شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً} 1. وكل ما في الوجود من الأسباب فهو خالقه وربه ومليكه، فهو الغني عن كل ما سواه، وكل ما سواه فقير إليه، بخلاف الملوك المحتاجين إلى ظهرائهم وهم في الحقيقة شركاؤهم في الملك، والله تعالى ليس له شريك في الملك، بل لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
والوجه الثالث:- أن يكون الملك ليس مريداً لنفع رعيته والإحسان إليهم ورحمتهم إلا بمحرك يحركه من خارج، فإذا خاطب الملك من ينصحه ويعظه، أو من يدل عليه، بحيث يكون يرجوه ويخافه؛ تحركت إرادة الملك وهمته في قضاء حوائج رعيته، إما لما حصل في قلبه من كلام الناصح الواعظ المشير، وإما لما يحصل له من الرغبة والرهبة من كلام المدل عليه، والله تعالى هو رب كل شيء ومليكه، وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، وكل الأشياء إنما تكون بمشيئته، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وهو إذا أجرى نفع العباد بعضهم على بعض فجعل هذا يحسن إلى هذا أو يدعو له ويشفع فيه ونحو ذلك فهو الذي خلق ذلك كله، وهو الذي خلق في قلب هذا المحسن الداعي الشافع من إرادة الدعاء والإحسان والشفاعة، ولا يجوز أن يكون في الوجود من يكرهه على خلاف مراده أو يعلمه ما لم يكن يعلم، أو من يرجوه الرب ويخافه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت؛ ولكن ليعزم المسألة، فإن الله لا مكره له " 2. والشفعاء الذين يشفعون عنده لا يشفعون إلا بإذنه- وذكر الآيات الدالة على ذلك- إلى أن قال: فبيَّنَ أن كل من دُعِيَ من دونه ليس له نصيب ولا شرك في الملك، ولا هو ظهير، وإن شفاعتهم لا تنفع إلا لمن أذن له، وهذا بخلاف الملوك، فإن الشافع عندهم قد يكون له ملك، وقد يكون شريكاً لهم في الملك، وقد يكون مظاهراً لهم معاوناً لهم على ملكهم، وهؤلاء يشفعون عند الملوك بغير إذن الملوك وهم وغيرهم، والملك يقبل شفاعتهم تارة
__________
1 سورة الإسراء: 111.
2 أخرجه البخاري (7477) ومسلم (2679) .
الصفحة 15
496