كتاب غاية الأماني في الرد على النبهاني (اسم الجزء: 2)

عليه السلف، وكلامه يصدق بعضه بعضاً، ويبين بعضه بعضاً فما ذكره في إغاثته من منع اتخاذ الوسائط في الالتجاء إليه تعالى والعبادة والتوكل والنذر وغير ذلك لم يتكلم بخلافه في كتاب من كتبه، فلا يجوز أن يطلب الرزق من مخلوق ويقصد جعله واسطة في حصول رزقه، ولا أن يطلب كشف الضر أو تحويله من ملك أو بشر بقصد أن يكونوا وسائط عند الله في هذا المرام كما يستشفع بالوسائط عند الملوك والأكابر، لما سبق أن هذا قياس مع الفارق وأن اتخاذ الوسائط إلى الله فيما لا يقدر عليه إلا الله هو شرك المشركين، وهو الذي أرسل الله لمحوه الأنبياء والمرسلين، وما ذكره في "جلاء الأفهام" من أن سؤال الرب سبحانه أن يثني على رسوله ويشرفه ويتعطف عليه هو آثر عنده من أن يطلب السائل شيئاً لنفسه.
ثم لتوضيح المسألة قال: "واعتبر ذلك بما تجد الناس يعتمدونه عند ملوكهم".. إلخ. أي: قِسْ سؤال الله أن يتفضل على خليله وحبيبه وأنه آثر من السؤال أن يتفضل على السائل بسؤال الرعايا للملك، أن يتفضل بإلطافه على من يعلمون أن الملك يحبه من أمير أو وزير أو أحد الرعايا، إذا قسته تجد الأمر كما وصف من أن الملك يؤثر لديه هذا السؤال، وكذلك يقال إذا كان لأب واحدة عدة بنين ومنهم من هو أحب إليه من غيره، فلا شك أن أحد الأبناء إذا سأل أباه أن يخص الابن الذي هو أحب أبنائه بإحسان وعطية كان ذلك آثر لدى الأب من أن يسأله أحد الأبناء شيئاً لنفسه، وهذا من باب ضرب المثل وتوضيح المسألة، ومن أين هنا اتخاذ الوسائط والالتجاء إلى غير الله؟! وههنا القياس صحيح والجامع موجود، فإن الله سبحانه يؤثر لديه سؤال العبد ما هو مرغوب له تعالى على سؤال العبد ما تعود مصلحته إليه كما أن المحسوس كذلك.
فانظر إلى غباوة هذا الملحد الزائغ حيث لم يفرق بين ما ذكر في "الإغاثة" وبين ما ذكر في "جلاء الأفهام" مع أن الفرق كما بين النور والظلام.
ثم إن ما نقله عن الشيخ محيي الدين من أنه استعمل هذا القياس في "الفتوحات المكية" وهو قوله: "لما كان الحق تعالى هو السلطان الأعظم، ولا بد

الصفحة 18