كتاب غاية الأماني في الرد على النبهاني (اسم الجزء: 2)

للسلطان من مكان يكون فيه حتى يقصد بالحاجات - مع أنه تعالى لا يقبل المكان- اقتضت المرتبة أن يخلق عرشاً، ثم ذكر أنه استوى عليه حتى يقصد بالدعاء وطلب الحوائج منه كل ذلك رحمة بعباده وتنزلاً لعقولهم". انتهى؛ لا يدل على مقصده بل على نقيضه، فإن النبهاني قصد من صحة القياس اتخاذ الوسائط ليقربوه إلى الله زلفى، وهو عين معتقد أهل الشرك.
والشيخ محي الدين بين سبب خلق العرش، وأن الله استوى عليه حتى يقصد بالدعاء وطلب الحوائج، والفرق جلي بين المقامين، ولا مناسبة بين الكلامين.
وما نقله عن "مسالك الحنفاء" للقسطلانى مما يؤيد اتخاذ الوسائط قياساً على ملوك الدنيا مردود على قائله، والقسطلاني أيضاً كان من الغلاة، وكلامه ليس بحجة على المسلمين، ومدار الاستدلال الكتاب والسنة، ومفاسد سوء الفهم أكثر من أن تحصى.
قال النبهاني: ثم بعد كتابتي هذا رأيت عبارة للإمام أحمد هي من أقوى الأدلة المقنعة لابن القيم وغيره في جواز هذا التشبيه، وهي مذكورة في كتاب "منهاج السنة" وهي أن الإمام أحمد قال: قالت الجهمية -لما وصفنا الله تعالى بهذه الصفات- إذ زعمتم أن الله ونوره والله وقدرته والله وعظمته فقد قلتم بقول النصارى حين زعمتم أن الله لم يزل ونوره ولم يزل وقدرته، قلنا: لا نقول إن الله لم يزل وقدرته ولم يزل ونوره، ولكن نقول: لم يزل الله بقدرته ونوره لا متى قدر ولا كيف قدر. فقال: لا تكونون موحدين أبداً حتى تقولوا كان الله ولا شيء.
فقلنا: نحن نقول قد كان الله ولا شيء ولكن إذا قلنا: إن الله لم يزل بصفاته كلها أليس إنما نصف إلهاً واحداً بجميع صفاته؟ وضربنا لهم في ذلك مثلاً، فقلنا: أخبرونا عن هذه النخلة أليس لها جذع وكرب وليف وسعف وخوص وجمار واسمها اسم واحد، وسميت نخلة بجميع صفاتها؟ فكذلك الله تعالى- وله المثل الأعلى- بجميع صفاته إله واحد، لا نقول إنه قد كان في وقت من الأوقات

الصفحة 19