كتاب غاية الأماني في الرد على النبهاني (اسم الجزء: 2)

لا يقدر حتى خلق قدرة والذي ليس له قدرة هو عاجز، ولا نقول قد كان في وقت من الأوقات لا يعلم حتى خلق لنفسه علماً والذي لا يعلم هو جاهل، ولكن نقول:
لم يزل الله عالماً قادراً مالكاً لا متى ولا كيف، وقد سمى الله رجلاً كافراً اسمه الوليد بن المغيرة المخزومي فقال: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} 1 وقد كان هذا الذي سماه الله وحيداً له عينان وأذنان ولسان وشفتان ويدان ورجلان وجوارح كثيرة، فقد سماه الله وحيداً بجميع صفاته، فكذلك الله تعالى- وله المثل الأعلى- هو بجميع صفاته إله واحد.
قال النبهاني: انتهى كلام الإمام أحمد بحروفه، فأنت تراه لم يجعل التشبيه؛ الذي شبهه- بقوله فكذلك الله تعالى- بملك له وزراء، وإنما جعل ذلك التشبيه بجماد وهو النخلة وكافر وهو الوليد بن المغيرة، فإذا جاز ضرب الجماد والكافر مثلاً لله تعالى وصفاته العلية أفلا يجوز ضرب المثل لله تعالى وأنبيائه وعباده الصالحين بملوك الدنيا ووزرائهم وخواصهم؟ ولعمري إن جواز ذلك أوضح من أن يتردد فيه مثل ابن القيم مع وفرة فهمه ودقة علمه، ولكن هواه في نصرة تلك البدعة كان حجاباً عن ذلك. إلخ.
أقول: جوابه؛ أن هذا النقل عن الإمام صحيح، وهو من كتابه في "الرد على الجهمية" وهم أصحاب جهم بن صفوان الذي كان يقول بنفي الصفات عن الله تبارك وتعالى، والإمام أحمد رد عليه وعلى أصحابه برسالة مختصرة، وهي متداولة بين الأيدي، وقد طبعت في الهند، وليس فيما نقله النبهاني ما يمس مطلبه والاستدلال بمثل ذلك على جواز اتخاذ الوسائل بين العبد وبين الله في الالتجاء إليه والاستعانة به وغير ذلك، ويكفي هذا الفهم دليلاً على جهل النبهاني وغباوته وإفلاسه من كل فضيلة، ومن العجب أني رأيت كل من كان على هذا المسلك المعوج ذا غباوة وجهل وحجاب على بصريته، وذلك قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ *َختَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ
__________
1 سورة المدثر: 11.

الصفحة 20