كتاب غاية الأماني في الرد على النبهاني (اسم الجزء: 2)
وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} 1. وقوله سبحانه: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ *) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} 2
إن الإمام أحمد قدس الله روحه كان من أجلّ مشايخ الموحدين، كيف ويقول بجواز اتخاذ الوسائط والوسائل وهو مذهب المشركين؟ ولكنه تناظر مع الجهمية فيما خالفوا به أهل السنة، ومن جملة ما ناظرهم به مسألة الصفات، وقبل هذه العبارة التي نقلها النبهاني عن الشيخ عبارة أخرى، وبها يتضح المراد.
قال الإمام: "وقلنا للجهمية من القائل يوم القيامة {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ} 3 أليس الله هو القائل؟ قالوا: يكون الله شيئاً يعبر عن الله كما كوّن شيئاً فعبر لموسى.
فقلنا: فمن القائل: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ * فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ} 4 أليس الله هو الذي يسأل؟ قالوا: هذا كله إنما يكون شيئاً يعبر عن الله.
فقلنا لهم: قد أعظمتم على الله الفرية حين زعمتم أنه لا يتكلم، فشبهتموه بالأصنام التي تعبد من دون الله، لأن الأصنام لا تتكلم ولا تنطق ولا تتحرك ولا تزول من مكان إلى مكان. فلما ظهرت عليهم الحجة؛ قالوا إن الله قد تكلم لكن كلامه مخلوق.
قلنا: وكذلك بنو آدم كلامهم مخلوق فشبهتم الله بخلقه حين زعمتم أن كلامه مخلوق، ففي مذهبكم أن الله قد كان في وقت من الأوقات لا يتكلم حتى خلق التكلم، وكذلك بنو آدم كانوا لا يتكلمون حتى خلق لهم كلاماً، فجمحتم بين كفر وتشبيه، فتعالى الله عن هذه الصفة علواً كبيراً، بل نقول: إن الله لم يزل
__________
1 سور البقر: 6-7.
2 سورة الملك: 10- 11.
3 سورة المائدة: 116.
4 سورة الأعراف: 6- 7.
الصفحة 21
496