كتاب غاية الأماني في الرد على النبهاني (اسم الجزء: 2)

متكلما إذا شاء، ولا نقول إنه قد كان لا يتكلم حتى خلق كلاماً، ولا نقول إنه قد كان لا يعلم حتى خلق علماً فعلم، ولا نقول إنه قد كان ولا قدرة حتى خلق لنفسه قدرة، ولا نقول إنه قد كان ولا نور حتى خلق لنفسه نوراً، ولا نقول إنه قد كان ولا عظمة حتى خلق لنفسه عظمة.
فقالت الجهمية لنا لما وصفنا الله بهذه الصفات: "إن زعمتم أن الله ونوره والله وعظمته والله وقدرته فقد قلتم بقول النصارى حين زعمتم أن الله لم يزل ونوره إلى آخر ما سبق نقله". انتهى.
فالمقصود من كلام الإمام أحمد من ضرب النخلة والوحيد مثلاً؛ أن الذات المتصفة بصفات تتصف بالوحدانية، لأن الصفات لا تستقل بنفسها، ولا يمكن انفكاكها عن الذات إلا في الذهن، واعتراض الجهمية والمعتزلة لا يرد على أهل السنة، ومذهب النصارى لا يصلح نقضاً، فإنهم أثبتوا الأقانيم الثلاثة وكل منها مستقل، فالتعدد متحقق، وأما المثبتون للصفات فعندهم أن الذات لا تنفك عنها أصلاً، والتعدد منتف، وتفصيل ذلك في كتب الكلام. والإمام مثّل لصحة إطلاق الواحد على الذات المتصفة بالصفات بما هو أبلغ منه وهو إطلاق اسم النخلة على ما تركب من جذع وكرب وليف وسعف وخوص وجمار، وسمى الوليد بن المغيرة المخزومي وحيداً مع ماله من الأعضاء والأجزاء المحسوسة، وهكذا الحائط، والمركب، والسرير، والكتاب، إلى ما لا يحصى من الأشياء التي استحقت إطلاق لفظ الواحد مع تعدد ما تركبت منه، فكيف لا يتحد ولا يطلق الواحد على المتصف بالصفات؟!
فالإمام أحمد لم يشبه رب العالمين بالنخلة ولا بالوليد ولا بغيرهما من المخلوقات- تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- إنما شبه إطلاق الواحد على الله بإطلاقه على أشياء تركبت من أمور كثيرة كان ينبغي أن لا يطلق عليها ذلك، فإطلاقه على الذات المتصفة بالصفات أولى بالجواز والصحة.
فانظر إلى سوء فهم النبهاني كيف فهم من عبارة الإمام ما فهم، وأوقعه جهله

الصفحة 22