كتاب غاية الأماني في الرد على النبهاني (اسم الجزء: 2)
أيديهم، وبهم عرف الله، وبهم عبد وأطيع، وبهم حصلت محابه تعالى في الأرض، وأعلاهم منزلة أولوا العزم منهم المذكورون في قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} 1 وهؤلاء هم الطبقة العليا من الخلائق، وعليهم تدور الشفاعة حتى يردوها إلى خاتمهم وأفضلهم ".
قال النبهاني: "انتهت عبارته رحمه الله، فإذا كان هو بنفسه يصفهم بهذه الأوصاف الجميلة التي هم أهلها ومحلها، وقد صرح فيها بأنهم واسطة بينه تعالى وبين عباده، وأنهم أقرب الخلق إليه تعالى وسيلة، وأن خير الدنيا والآخرة إنما ناله العباد على أيديهم، فما الذي جرى له بعد ذلك حتى تبع شيخه ابن تيمية في منع الاستغاثة بهم إلى الله تعالى، وجعلهم واسطة بين العباد وبينه عز وجل، ووسيلة إلى قضاء حوائجهم الدنيوية والأخروية، أفلا يعد هذا من ابن القيم تناقضاً؟ " انتهى.
أقول في الجواب: إن ابن القيم رحمه الله وكذلك شيخه ومن على منهاجهم من أكثر الناس حباً للأنبياء والرسل عليهم السلام، وكتبهم طافحة ببيان ما يجب لهم من التوقير والاحترام، وفي كتاب "مفتاح دار السعادة" بحث مفصل في بيان حاجة الناس إليهم وما يجب من العمل بهديهم، حتى قال: "إن العالم لو خلا من هديهم فسد وخرج عن نظامه " إلى آخر ما تكلم به. ومن مزيد محبتهم له وتوقيرهم إياه حافظوا على هديهم وسننهم وما جاؤوا به من عند الله، ومن هديهم تخصيص الله تعالى بالعبادة والالتجاء إليه، والنذر له والتوكل عليه، وندائه في المهمات، والاستعانة به في طلب الحاجات، إلى غير ذلك من تخصيصه بخصائص الربوبية والألوهية.
وما نقله النبهاني عن ابن القيم هو معتقد كل مسلم حنيف يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فضلاً عن شيخ الإسلام، ومن كان على سننه
__________
1 سورة الشورى: 12.
الصفحة 24
496