كتاب غاية الأماني في الرد على النبهاني (اسم الجزء: 2)
من الأئمة الأعلام ولا شك أن رسل الله هم الوسائط العظمى بين الله وبين المكلفين من عباده في تبليغ شرائعه وما يريده سبحانه من عباده، وبيان أسباب السعادة الدنيوية والأخروية، لا أنهم وسائط بالمعنى الذي فهمه الغبي النبهاني، حتى زعم أن ذلك مراد ابن القيم، وأخذ يوبخه بقوله فما الذي جرى له بعد ذلك حتى تبع شيخه ابن تيمية في منع الاستغاثة بهم إلى الله ... إلخ، بل المراد بالوسائط في كلامه بالمعنى الذي ذكرناه، وعليه أئمة الدين، وأكابر الموحدين.
قال شيخ الإسلام قدس الله روحه- في الجواب عن سؤال فيه أن رجلين تناظرا، فقال أحدهما: لا بد لنا من واسطة بيننا وبين الله، فإنا لا نقدر أن نصل إليه بغير ذلك-: "الحمد لله رب العالمين، إن أراد بذلك أنه لا بد من واسطة يبلغنا أمر الله فهذا حق، فإن الخلق لا يعلمون ما يحبه الله ويرضاه، وما أمر به وما نهى عنه، وما أعده لأوليائه من كرامته وما وعد به أعداءه من عذابه، ولا يعرفون ما يستحقه الله من أسمائه الحسنى وصفاته العليا التي تعجز العقول عن معرفتها وأمثال ذلك إلا بالرسل الذين أرسلهم الله تعالى إلى عباده، فالمؤمنون بالرسل المتبعون لهم هم المهتدون الذين يقربهم لديه زلفى ويرفع درجاتهم ويكرمهم في الدنيا والآخرة.
وأما المخالفون للرسل فإنهم ملعونون، وهم عن ربهم ضالون محجوبون، قال الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} 1 وقال تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى* وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} 2
__________
1 سورة الأعراف: 35- 36.
2 سورة طه: 123- 126.
الصفحة 25
496