كتاب جامع المسائل لابن تيمية ط عالم الفوائد - المجموعة الثانية

واحدٍ منهما في مقتضاه، وإجراؤُه على عمومِه. وأيضا فإنّ القياسَ يَجرِي مَجْرَى خبرِ الواحدِ، بدليلِ أن كلَّ واحدٍ منهما يثبُتُ بغالب الظن. ثمَ ثبتَ أنه يَصِحُّ أن يَرِدَ مخالفاً لقياسِ الأصولِ، كذلك اَلقياسُ مثلُه (1).
قلتُ: ومن هذا الباب جمعُ النبيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصلاةَ بعرفةَ ومزدلفةَ (2)، لو لم يَرِدْ به نصّ في أسفارٍ أُخَر. وأمّا قَصْرُه الصلاةَ بعرفَةَ بأهلِ مكَّةَ وغيرِهم فليسَ مخالفاً لعادتِه، فإنّه مازالَ يَقْصُر في السفَر، بل هو بيان استواء السَّفَر الطويل والقصير في ذلك (3). فأمَّا منعُ قَصْرِ المكّيّين فهو مخالفٌ للسنة الثابتةِ بلا ريب (4). وإنما خالفَ ذلك مَن
__________
(1) هنا انتهى كلام أبي يعلى.
(2) ورد ذكر الجمع بهما في حديث جابر الطويل الذي أخرجه مسلم (1218) وغيره، وورد ذكر الجمع بعرفة في حديث ابن عمر عند البخاري (1662)، والجمع بمزدلفة في حديث أبي أيوب الأنصاري عند البخاري (1674) ومسلم (1287) وحديث أسامة بن زيد عند البخاري (1672) ومسلم (1280) وحديث ابن عمر عند البخاري (1673).
(3) هذا ما قرّره المؤلف في مواضع أخرى من كتبه وفتاواه (انظر: مجموع الفتاوى 24/ 34 - 35، 12 - 13، 15)، وذكره العلماء من اختياراته. (العقود الدرية 212 وذيل طبقات الحنابلة 2/ 405).
(4) قال المؤلف في منسكه (مجموع الفتاوى 26/ 130): "ولم يأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا خلفاؤُه أحداً من أهل مكة أن يتموا الصلاة، ولا قالوا لهم بعرفة ومزدلفة ومنى: أتمّوا صلاتكم فإنا قوم سفر. ومن حكى ذلك عنهم فقد أخطأ". ونحوه في مجموع الفتاوى 24/ 10، 11 و 20/ 361، 362.

الصفحة 203