كتاب جامع المسائل لابن تيمية ط عالم الفوائد - المجموعة الثانية

هذه الأمور وغيرها مما ذكرها الصوفية (والتي تحدثنا عنها فيما مضى مع ذكر النصوص من المصادر المعتمدة لديهم) لا يخفى ما في الاعتقاد بها من خطورة على عقيدة التوحيد، فهي محاولة خبيثة لتجريد الإله الحق سبحانه وتعالى من اختصاصاته التي لا يشاركه فيها مخْلوق، وجعلها مشاعًا بين الخالق والمخلوق على حدّ سواء، وهذا هو الشرك في الربوبية -والعياذ بالله-، وهو أقبح أنواع الشرك، فقد كان المشركون القدامى على علم بربوبية الله وخصوصيته في الخلق والرزق والملك والتدبير والإحياء والإماتة وغيرها من أمور الربوبية كما حكى عنهم القرآن. فالذي يعتقد ذلك في الأولياء هو أجهل من أولئك المشركين وأضلّ.
وبهذا نعرف ما نتج عن فكرة القطب هذه من مخاطر جسيمة في باب العقيدة لدى عامة الناس، الذين تعلقوا بها واعتقدوها ونشأوا عليها في البيئات الصوفية، ولُقِّنوها منذ الصغر. ولا زلنا نرى في البلاد الإسلامية من ينادي "الغوث" للمدد، ويعتقد في الأولياء بما لا يجوز اعتقاده إلاّ في الله، فإنّا لله وإنا إليه راجعون.
وكان من آثارها السيئة على العلماء أن كثيرًا منهم نقلوا مقالات الصوفية في هذا الباب، وأدرجوها في مؤلفاتهم دون نقد أو تعقيب، وقد تسربت هذه الفكرة إلى كتب التفسير وشروح الحديث، والفقه والفتاوى، والسيرة والأخلاق، والتاريخ والتراجم، والأدب واللغة وغيرها، ويطول بنا القول لو ذَكَرنا جميع النصوص في المصادر التي رجعنا إليها، ولذا نقتصر على

الصفحة 31