كتاب جامع المسائل لابن تيمية ط عالم الفوائد - المجموعة الثانية

كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُون (148)) (1).
فأخبر عن المشركين أنهم احتجوا فيما شرعوه من الدين
وحرموه من الأشياء بالقدر، فقالوا: (لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ). قال تعالى: (كذلك كذب الذين من قبلهم) أي كذبوا بأمرِ الله ونهيه وخَبَره الذي بعثَ به رُسُلَه، فإن هذا تكذيبٌ منهم للشرع محتجينَ عليه بَالقدر.
ثم قال: (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148))، فبيَّن أن الاحتجاجَ بالقدر ليس بدليل على صحة قول المحتج، فإنَ القدرَ مُتناولٌ لكل كائن، فالمحتجُ به لا علْمَ عَنده، إن يَظن إلاّ ظنا، وهو في ذلك من الخَارصين الحازِرين الَكاذبين (2).
وفي صحيح مسلم (3) عن عياض بن حمار عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما أخبر به عن الله أنه قال: "خَلقْتُ عباديَ حُنفاءَ، فاجْتَالتْهم الشياطينُ، وحَرمَت عليهم ما أحللتُ لهم، وأمَرتْهم أن يُشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا. وإنَ رَبي قال لي: قُمْ في قُرَيش فأنَذرهم، فقلتُ: أيْ رَب إذَا يَثْلغُوا رأسي حتى يَجعلوه خُبْزَةً. فقالَ: إني
__________
(1) سورة الأنعام: 148 - 149.
(2) بعده في الأصل: "وقال في سورة" ولعل المؤلف كان يريد أن يكتب هنا آية، فعدل عنها، وذكر الحديث الآتي.
(3) برقم (2865). وأخرجه أيضًا أحمد 4/ 162، 266 وابن ماجه (4179).

الصفحة 85