كتاب دولة الإسلام في الأندلس (اسم الجزء: 2)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة
الطبعة الأولى
إن عصر الطوائف من بين عصور التاريخ الأندلسي، أكثرها تشعباً وأوفرها تبايناً واضطراباً، لا تكاد تجمع بين وحداته المتناثرة جامعة مشتركة، ولكل وحدة منها ظروفها وسيرتها الخاصة، ومن ثم كانت الإحاطة بأحداث هذا العصر، وتنسيقها وربط حلقاتها، واستخراج خواصها، من أشق المهام التاريخية.
وهذا المجلد من " دولة الإسلام في الأندلس " يتضمن تاريخ هذا العصر المضطرب - عصر الطوائف -، وهو يكون " العصر الثاني " من تاريخ الأندلس. وإنه ليسعدني أن أضعه اليوم بين أيدي القراء، بعد هذه الأعوام العديدة، التي انقضت منذ ظهور العصر الأول. على أن هذه الأعوام لم تذهب بحمد الله سدى، فقد أخرج خلالها العصر الرابع والأخير من " دولة الإسلام في الأندلس " باسم " نهاية الأندلس وتاريخ العرب المتنصرين "، ولم يبق علينا لاستكمال هذه الموسوعة من التاريخ الأندلسي إلا أن ننجز العصر الثالث منها، وهو المتضمن " تاريخ الأندلس في عصر المرابطين والموحدين ".
ويشغل عصر الطوائف من تاريخ اسبانيا المسلمة زهاء سبعين أو ثمانين عاماً، منذ انهيار الخلافة الأندلسية، على إثر انهيار الدولة العامرية (سنة 399 هـ - 1009 م) وتفكك الدولة الأندلسية الكبرى، وانقسامها إلى وحدات متعددة، تقوم في كل وحدة منها دولة أو مملكة من ممالك "الطوائف"، تزعم لنفسها الاستقلال والرياسة المطلقة، ولا تربطها بجاراتها أو زميلاتها، أية رابطة، إلا أن تكون المنافسة، أو الحرب الأهلية في سبيل الغنم والتوسع. وهذا البحر الخضم من المنافسات والمنازعات والحروب الأهلية الإنتحارية، هو قوام عصر الطوائف.
وقد مضينا في تتبع أحداث هذه الحقبة المؤلمة من تاريخ الأندلس، حتى مقدم المرابطين إلى شبه الجزيرة، استجابة لصريخ الطوائف، ونصرة للأندلس، وإنقاذاً لها من خطر الفناء الداهم، الذي لاح لها قوياً منذراً، ولاسيما بعد سقوط
الصفحة 3
500