كتاب المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة (اسم الجزء: 2)

ولا بالأوتاد؟ وإذا قام عمود الفسطاط انتفعت بالطنب والأوتاد. فكذلك الصلاة من الإسلام. فانظروا رحمكم اللّه واعقلوا، وأحكموا الصلاة، واتقوا اللّه فيها، وتعاونوا عليها وتناصحوا فيها بالتعليم من بعضكم لبعض، والتذكير من بعضكم لبعض من الغفلة والنسيان. فإن اللّه عز وجل قد أمركم أن تعاونوا على البر والتقوى. والصلاة أفضل البر. وجاء الحديث عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: «أول ما تفقدون من دينكم الأمانة وآخر ما تفقدون منه الصلاة وليصلين أقوام لا خلاق لهم «1» وجاء الحديث: «أن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من عمله صلاته. فإن تقبلت منه صلاته تقبل منه سائر عمله. وإن ردت صلاته رد سائر عمله» «2» فصلاتنا آخر ديننا وهى أول ما نسأل عنه غدا من أعمالنا. فليس بعد ذهاب الصلاة إسلام ولا دين. فإذا صارت الصلاة آخر ما يذهب من الإسلام فكل شيء يذهب آخره فقد ذهب جميعه فتمسكوا رحمكم اللّه بآخر دينكم وليعلم المتهاون بصلاته، المستخف بها، المسابق الإمام فيها أنه لا صلاة له. وأنه إذا ذهبت صلاته فقد ذهب دينه. فعظموا الصلاة رحمكم اللّه وتمسكوا بها واتقوا اللّه فيها خاصة. وفى أموركم عامة.
واعلموا أن اللّه عز وجل قد عظم خطر الصلاة فى القرآن وعظم أمرها وشرف أهلها، وخصها بالذكر من بين الطاعات كلها فى مواضع من القرآن كثيرة وأوصى بها خاصة.
فمن ذلك أن اللّه تعالى ذكر أعمال البر التى أوجب لأهلها الخلود فى الفردوس. فافتتح تلك الأعمال بالصلاة، وختمها بالصلاة وجعل تلك الأعمال التى جعل لأهلها الخلود فى الفردوس بين ذكر الصلاة مرتين قال اللّه تعالى:
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ فبدأ من صفتهم بالصلاة عند مديحه إياهم، ثم وصفهم بالأعمال الطاهرة الزاكية المرضية إلى قول اللّه عز
___________
(1) أورده السيوطى فى جمع الجوامع 2/ 541 وعزاه لابن أبى شيبة.
(2) روى هذا عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أكثر من واحد من الصحابة. راجع تعظيم قدر الصلاة للمروزى 1/ 208 - 218.

الصفحة 42