كتاب المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة (اسم الجزء: 2)

تَخْتَصِمُونَ فزعموا أن هذا الكلام (ق 4/ أ) ينقض بعضه بعضا، فشكوا فى القرآن.
أما تفسير هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ. الآية: فهذا أول ما تبعث الخلائق على مقدار ستين سنة لا ينطقون، ولا يؤذن لهم فى الاعتذار فيعتذرون. ثم يؤذن لهم فى الكلام فيتكلمون. فذلك قوله: رَبَّنا أَبْصَرْنا وسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً «1» الآية. فإذا أذن لهم فى الكلام فتكلموا واختصموا فذلك قوله:
ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ عند الحساب، وإعطاء المظالم.
ثم يقال لهم بعد ذلك: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ أى عندى وقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ «2» يعنى فى الدنيا. فإن العذاب مع هذا القول كائن «3».
وأما قوله عز وجل: ونَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وبُكْماً وصُمًّا «4» وقال فى آية أخرى: ونادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ «5» ونادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ «6» فقالوا كيف يكون هذا من الكلام المحكم ونَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وبُكْماً وصُمًّا ثم يقول فى موضع آخر: أنه ينادى بعضهم بعضا، فشكوا فى القرآن من أجل ذلك.
أما تفسير: ونادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ ونادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ فإنهم أول ما يدخلون النار يكلم بعضهم بعضا وينادون يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ. قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ «7» ويقولون رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ «8» (ق 4/ ب) ورَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا «9» فهم
___________
(1) سورة السجدة/ 12.
(2) سورة ق/ 28.
(3) وانظر تفسير الطبرى 29/ 243 و24/ 1.
(4) وانظر الإسراء/ 97.
(5) سورة الأعراف/ 50.
(6) سورة الأعراف/ 44.
(7) سورة الزخرف/ 77.
(8) سورة إبراهيم/ 44.
(9) سورة المؤمنون/ 106.

الصفحة 73