كتاب الشرح الممتع على زاد المستقنع (اسم الجزء: 2)

وأما الإجماع: فقد أجمع المسلمون على وجوب استقبال القِبْلَة في الصَّلاة (¬1).
والحكمة من ذلك هي: أن يتَّجه الإنسان ببدنه إلى مُعَظَّمٍ بأمر الله وهو البيت، كما يتَّجه بقلبه إلى ربِّه في السَّماء، فهنا اتجاهان: اتجاهٌ قلبي واتجاهٌ بدني، الاتجاه القلبي إلى الله عزّ وجل، والاتجاه البدني إلى بيته الذي أُمِرَ بالاتِّجاه إليه وتعظيمه، ولا ريب أنَّ في إيجاب استقبال القِبْلة من مظهر اجتماع الأمَّة الإسلامية ما لا يخفى على الناس، لولا هذا لكان النَّاس يُصلُّون في مسجد واحد، أحدهم يُصلِّي إلى الجنوب، والثاني إلى الشمال، والثالث إلى الشرق، والرابع إلى الغرب، وقد تتعذَّر الصفوف في الجماعة، لكن إذا كانوا إلى اتجاه واحد صار ذلك من أكبر أسباب الائتلاف.
وكان الرّسول عليه الصَّلاة والسَّلام يُصلِّي إلى بيت المقدس، ولكن الكعبة بينه وبين بيت المقدس (¬2)، فيكون مقامه
¬__________
(¬1) انظر: «مراتب الإجماع» لابن حزم ص (26).
(¬2) رواه أحمد (1/ 325)، والبزار «كشف الأستار رقم (418)، والطبراني (11/رقم 11066)، والبيهقي (2/ 3) من طريق يحيى بن حماد، ثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس به.
قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. «المجمع (2/ 12).
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ إلا أن في رواية الأعمش عن مجاهد مقالاً. قال أبو حاتم الرازي: الأعمش قليل السَّماع من مجاهد، وعامة ما يروي عن مجاهد مدلَّس. «العلل» لابن أبي حاتم رقم (2119) (2/ 210).
قال الترمذيُّ: قلت لمحمد ـ يعني البخاري ـ يقولون: لم يسمع الأعمش من مجاهد إلا أربعة أحاديث؟
قال: ريح؛ ليس بشيء، لقد عددت له أحاديث كثيرة؛ نحواً من ثلاثين أو أقل أو أكثر؛ يقول فيها: حَدَّثنا مجاهد. «علل الترمذي الكبير» (2/ 966).

الصفحة 261