كتاب الشرح الممتع على زاد المستقنع (اسم الجزء: 2)

«إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصَّلاة» (¬1).
فدلَّ على أنها علامة ظاهرة تُسْمَعُ. ويحتمل ألاَّ يُقاتَلوا.
فإن قال قائلٌ: كيف يُقَاتَلون، وقد قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يَحِلُّ دَمُ امرئٍ مسلمٍ يشهد أنْ لا إله إلا الله، وأنِّي رسولُ الله، إلا بإحدى ثلاث: الثَّيِّبُ الزَّاني، والنَّفس بالنَّفس، والتَّاركُ لدينه؛ المفارقُ للجماعة» (¬2).
قلنا: المراد بهذا الحديث القتل؛ وهو أخصُّ من القتال، فهناك فرق بين القتل والقتال، فليس كلُّ مَنْ جاز قتاله جاز قتله، ولهذا نقاتل إحدى الطَّائفتين المقتتلتين حتى تفيء إلى أمر الله، مع أنها مؤمنة لا يحلُّ قتلها. أما القتل فليس يلزم منه مقاتلة الجميع، فقد يكون واحدٌ من هؤلاء يستحقُّ القتل فنقتله ولا نقاتل الجميع، فَتبيَّن بهذا أنَّه لا تَلازَم بين القتال والقتل، وأن جواز القتال أوسع من جواز القتل؛ لأنَّ القتل لا يكون إلا في أشياء معيَّنة.

وتَحْرُمُ أجْرَتُهُمَا ................
قوله: «وتَحْرُمُ أجرتُهُمَا»، أي: أن يعقدَ عليهما عقد إجارة، بأن يستأجرَ شخصاً يؤذِّن أو يُقيم؛ لأنهما قُربة من القُرَب وعبادةٌ من العبادات، والعبادات لا يجوز أخذ الأجرة عليها؛ لقوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا
¬__________
(¬1) رواه البخاري، كتاب الأذان: باب لا يسعى إلى الصلاة ... ، رقم (636) واللفظ له، ومسلم كتاب المساجد: باب استحباب إتيان الصَّلاة بوقار وسكينة ... ، رقم (602). من حديث أبي هريرة.
(¬2) رواه البخاري، كتاب الديَّات: باب قول الله تعالى: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} ... }، رقم (6878)، ومسلم، كتاب القسامة والمحاربين: باب ما يُباح به دم المسلم، رقم (1676) من حديث ابن مسعود.

الصفحة 48