كتاب أمالي ابن الشجري (اسم الجزء: 2)

والغالب على «أمّا» التكرير، كقوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ} (¬1) ثم قال: {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ} ثم قال: {وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ} وقد جاءت غير مكررة فى قوله: {يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً. فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاِعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ} (¬2).
واعلم أن «أمّا» لمّا نزّلت منزلة الفعل نصبت، ولكنها لم تنصب المفعول به، لضعفها، وإنما نصبت الظرف الصحيح، كقولك: أمّا اليوم فإنى منطلق، وأمّا عندك فإنى جالس، وتعلّق بها حرف الظرف، فى نحو قولك: أمّا فى الدار فزيد نائم، وإنما لم يجز أن يعمل ما بعد الظرف فى الظرف، لأن ما بعد «إنّ» لا يعمل فيما قبلها، وعلى ذلك يحمل قول أبى على (¬3): «أمّا على إثر ذلك فإنّى جمعت» ومثله قولك: أمّا فى زيد فإنى رغبت، ففى متعلقة بأمّا نفسها فى قول سيبويه وجميع النحويين، إلا أبا العباس المبرّد، فإنه (¬4) زعم أن الجارّ متعلق برغبت، وهو قول مباين للصحّة، خارق للإجماع، لما ذكرته لك من أن «إنّ» تقطع ما بعدها عن العمل فيما قبلها، فلذلك أجازوا: زيدا جعفر ضارب، ولم يجيزوا: زيدا إنّ جعفرا ضارب.
/فإن قلت: أمّا زيدا فإنّى ضارب، فهذه المسألة فاسدة فى قول جميع النحويين، لما ذكرته لك من أن «أمّا» لا تنصب المفعول الصريح، وأنّ «إنّ»
¬_________
(¬1) سورة الكهف 79،80،82.
(¬2) سورة النساء 174،175، وللزمخشرىّ كلام جيد، فى علّة عدم تكرير «أمّا» هنا، انظره فى الكشاف 1/ 589، وانظر المغنى ص 57.
(¬3) من مقدمته فى كتابه الإيضاح ص 5، وانظر البصريات ص 678.
(¬4) لم أجده فى المقتضب. وانظر ما يأتى فى الصفحة التالية.

الصفحة 11