ويدلّك على بطلان هذا القول عدم تصوير الألف بعد الواو، فى {كالُوهُمْ} و {وَزَنُوهُمْ} ولو كان المراد ما ذهب إليه هذا المتأوّل، لم يكن بدّ من (¬1) إثبات ألف بعد الواو، على ما اتفقت عليه خطوط المصاحف كلّها، فى نحو:
{خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ} (¬2) و {قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ} (¬3) وإذا ثبت بهذا فساد قوله، فالضمير الذى هو «هم» منصوب بوصول الفعل إليه، بعد حذف اللام، وهو عائد على {النّاسِ} فى قوله تعالى: {إِذَا اِكْتالُوا عَلَى النّاسِ} (¬4) وهذا أيضا دليل على فساد قوله: إن الضمير مرفوع، ألا ترى أن المعنى: إذا كالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوا/للناس أو وزنوا للناس يخسرون (¬5).
وممّا حذفوا من الحروف الخافضة «من»، فى قولهم: اخترت الرجال زيدا، يريدون: من الرجال، وجاء فى التنزيل: {وَاِخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً} (¬6) أى من قومه، وقال الفرزدق:
ومنّا الذى اختير الرّجال سماحة … وجودا إذا هبّ الرّياح الزّعازع (¬7)
فالنصب فى «الرّجال» بوصول الفعل بعد حذف الخافض.
ومما حذفت منه «من» وأعملت محذوفة، قول أبى حيّة النّميرىّ (¬8):
¬_________
(¬1) هذه حجّة أبى إسحاق الزجاج، فى معانيه 5/ 298.
(¬2) سورة البقرة 243.
(¬3) سورة البقرة 246، وجاء فى الأصل وهـ: «وقالوا لنبيّهم» وهو تحريف.
(¬4) سورة المطففين 2.
(¬5) للزمخشرى كلام شبيه بهذا: انظره فى الكشاف 4/ 230، وتعقّبه أبو حيان فى البحر، الموضع السابق.
(¬6) سورة الأعراف 155.
(¬7) فرغت منه فى المجلس الثامن والعشرين.
(¬8) أثبته الدكتور يحيى الجبورى، فى شعر أبى حيّة ص 167، عن ابن الشجرى فقط. والبيت الأول وحده أنشده أبو علىّ فى كتاب الشعر ص 51، ونسبه لجرير أو غيره، ولم أجده فى ديوان جرير المطبوع. وأنشده ابن عصفور فى الضرائر ص 144، من غير نسبة.