فلا فرق إذن على هذا بين قوله: {لِئَلاّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ} وقوله: {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ}] وبين قوله: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ}، وقد حملت «ما» على الزيادة، مع وقوعها أوّلا فيما أنشده أبو زيد (¬1):
ما مع أنّك يوم الورد ذو جزر (¬2) … ضخم الدّسيعة بالسّلمين وكّار
وأنكر بعض النحويين (¬3) أن تكون «لا» زائدة فى قوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ} قال: لأنّ كون الحرف زائدا يدلّ على اطّراحه، وكونه أوّل الكلام يدلّ على قوّة العناية به، فكيف يكون مطّرحا معنيّا به فى حالة واحدة، وإذا قبح الجمع بين اطّراح الشىء والعناية به، بطل كون «لا» فى هذه الآية زائدة، وجعلناها نافية، ردّا على من جحد البعث، وأنكر القيامة، وقد حكى الله تعالى أقوالهم فى مواضع من كتابه، وكأنه قيل: {لا} ليس الأمر على ما تقوّلتموه، من إنكاركم ليوم القيمة {أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ. وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوّامَةِ} فلا هاهنا جواب لما
¬_________
(¬1) فى نوادره ص 237، ونسبه لعبدة بن الطبيب، وهو أيضا فى الحيوان 5/ 263،6/ 86، والهمع 2/ 157، وأنشد منه ابن دريد «بالسّلمين وكّار» فى الاشتقاق ص 35، وأعاده ابن الشجرى فى المجلس السابع والستين.
(¬2) هكذا «جزر» بتقديم الزاى على الراء، فى هذا المجلس، والمجلس الآخر، وفسّره ابن الشجرى عليه فيما بعد. والذى فى نوادر أبى زيد: «جرز» بتقديم الراء، وقال فى تفسيره: «الجرز: القوّة». والرواية فى الحيوان: «ذو لغط». هذا وقد وجدت بهامش أصل الأمالى، فى المجلس السابع والستين، حاشية، هذا نصّها: «الصواب: ذو جرز، براء مهملة قبل الزاى، وهو. . . الشديد الصّلب. والجرز: القوة، والذى فى هذا الكتاب تصحيف بلا شك، وشرحه يدلّ على. . . للشعر». انتهت الحاشية، ومكان النقط مطموس فى التصوير. ويبقى أن أقول: إنه فى الهمع: «جزر» بتقديم الزاى، وكذلك فى نسخة قديمة متقنة من نوادر أبى زيد، أشار إليها المحقق فى حواشيه، وهى نسخة عاطف افندى، ولي بهذه النسخة أنس، إذ كانت من مستودعات معهد المخطوطات بالقاهرة، وكنت كثير النظر فيها.
(¬3) منهم الفراء، فى معانى القرآن 3/ 207.