كتاب أمالي ابن الشجري (اسم الجزء: 2)

وقيل فى تفسير قوله تعالى: {وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا} (¬1) إنه أراد نكاحا، ومن هذا الضّرب قول العجّاج، يمدح عمر بن معمر (¬2) التّيمىّ:
إذا الكرام ابتدروا الباع بدر … تقضّى البازى إذا البازى كسر
أراد: تقضّض، فأبدل من الضاد ياء، وكسر ما قبلها لتصحّ، يقول: إذا الكرام ابتدروا فعل المكارم، بدرهم وأسرع كانقضاض البازى فى طيرانه، وذلك أسرع ما يكون الطيران، ومعنى كسر: ضمّ جناحيه، ومنه قول الشاعر:
فآليت لا أشريه حتّى يملّنى … بشىء ولا أملاه حتّى يفارقا (¬3)
أراد: لا أملّه، فردّه إلى أصله، الذى هو أملله، وأبدل من اللام الأخيرة ياء، فصار فى التقدير: أمليه، فانقلبت الياء ألفا، لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، ومعنى لا أشريه: لا أبيعه، وقوله: «بشىء» متعلّق بأشريه.
وقال أبو إسحاق الزجّاج فى قول الله سبحانه: {وَقَدْ خابَ مَنْ دَسّاها} (¬4) معناه: خابت نفس دسّاها الله، أى جعلها قليلة خسيسة، والأصل: دسّسها، ولكنّ الحروف إذا اجتمعت من لفظ واحد، أبدل من آخرها ياء.
¬_________
(¬1) سورة البقرة 235.
(¬2) هذا اختصار فى نسبه، وتمامه: عمر بن عبيد الله بن معمر، كما فى ديوان العجاج ص 3، والشطران فيه ص 28، وبينهما هذا الشطر: دانى جناحيه من الطور فمر والشاهد من الرجز السيّار. انظر مجاز القرآن 2/ 300، وأدب الكاتب ص 487، وأمالى القالى 2/ 171، والعضديات ص 32،207، والخصائص 2/ 90، والمحتسب 1/ 157، وسرّ صناعة الإعراب ص 759، والتبصرة ص 834، وشرح المفصل 10/ 25، وشرح الملوكى ص 250 - ونسب فيه خطأ لرؤبة-والمقرب 2/ 170، وغير ذلك كثير، مما تراه فى معجم الشواهد ص 469.
(¬3) من غير نسبة فى المخصص 15/ 209، وشرح شواهد الشافية ص 441، وصدره فقط فى العضديات ص 33، برواية: فآليت لا أملاه حتّى يملّنى
(¬4) الآية العاشرة من سورة والشمس. وكلام الزجاج فى كتابه معانى القرآن 5/ 332.

الصفحة 173