كتاب أمالي ابن الشجري (اسم الجزء: 2)

إلى الليل والنهار، فى قوله جل وعز: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ} (¬1) فانتصاب الليلة انتصاب المصدر، لا انتصاب (¬2) الظرف، وكيف يكون انتصابها انتصاب الظرف مع قوله بعد:
وبتّ كما بات السّليم مسهّدا
وأجاز بعض المتأخرين أن يكون الماء رفعا، بأنه فاعل ارتوى، من غير تقدير مضاف، قال: وجاز وصف الماء بالارتواء للمبالغة، كما جاز وصفه بالعطش لذلك فى قوله (¬3):
وجبت هجيرا يترك الماء صاديا
ومن نصب الماء متّبعا مذهب أبى على: أراد ما ارتوى الناس الماء، أى من الماء، أضمر الفاعل وحذف الخافض، فوصل الفعل فنصب، كما جاء فى التنزيل:
{وَاِخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً} (¬4) أى من قومه، وجاء فيه حذف الباء من قوله: {إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ} (¬5) أراد يخوّفكم بأوليائه، ودليل ذلك قوله: {فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ} وجاء حذف «على» من قوله: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ} (¬6).
ومثل إضمار الفاعل هاهنا ولم يتقدّم ذكر ظاهر يرجع الضمير إليه، ما حكاه سيبويه من قولهم (¬7): «إذا كان غدا فأتنى»، أى إذا كان ما نحن فيه من الرخاء أو البلاء غدا.
¬_________
(¬1) سورة سبأ 33.
(¬2) هذا قول أبى على، كما ذكر ابن جنى فى الخصائص، والبغدادى فى شرح الأبيات. وقد تبع أبا علىّ فى ذلك السّهيلىّ فى الروض الأنف 1/ 236.
(¬3) المتنبى، وسبق تخريجه فى المجلس الثامن والعشرين.
(¬4) سورة الأعراف 155
(¬5) سورة آل عمران 175، وانظر معانى القرآن للفراء 1/ 248، وللأخفش ص 221، وتأويل مشكل القرآن ص 222، والدر المصون 3/ 493.
(¬6) سورة البقرة 235.
(¬7) سبق تخريجه فى المجلس الثالث عشر.

الصفحة 23