كتاب أمالي ابن الشجري (اسم الجزء: 2)

ما يصطحبان فى الوقوع على الجيف، ولولا ذلك كان حقّه أن يقول: ومن/يكونا شريكيه، فهذا أشدّ من الإفراد فى بيت حسّان، لأنه أفرد المضمر فى «يكن» وجاء بالخبر مثنّى، فهذا أحد القولين فى المسألة.
والقول الآخر: أن يكون قوله: «مئونة» خبرا عن العشر وحده، وخبر الخراج محذوف، لدلالة الخبر الأوّل عليه، كأنه قال: العشر مئونة والخراج مئونة، فحذف خبر الثانى، وإن شئت قدّرت خبر الأول محذوفا، كما قال (¬1):
نحن بما عندنا وأنت بما … عندك راض والرأى مختلف
أراد: نحن بما عندنا راضون، فحذفه لدلالة راض عليه، ومثل ذلك فى حذف أحد الخبرين فى التنزيل قوله: {وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} (¬2) قال:
يرضوه، ولم يقل: يرضوهما، لأن الضمير عاد إلى أحد المبتدأين، إن شئت أعدته إلى اسم الله تعالى، وإن شئت أعدته إلى رسوله (¬3) [ومذهب صاحب الكتاب أن الضمير عائد إلى رسوله] لأنه أقرب الاسمين إليه، والخبر عن الله سبحانه محذوف، ويصحّ هذا التقدير فى بيت حسّان، ولا يصحّ فى البيت الآخر، لمجيء الضمير فى «يكن» مفردا، ومجىء الخبر مثنّى، فيصحّ: إنّ شرخ الشباب ما لم يعاص كان جنونا، والشّعر الأسود كذلك، ولا يصح: ومن يكن الذئب شريكيه، فلا يحمل الذئب والغراب إلاّ على الاتّحاد، لكثرة الاصطحاب.
وممّا جاء فى التنزيل نظير المسألة، حذو القذّة (¬4) بالقذّة، قوله جلّ وعزّ:
¬_________
(¬1) تقدم فى المجلس السابق.
(¬2) سورة التوبة 62، وانظر تعليقى على هذه الآية فى المجلس السابق.
(¬3) سقط من هـ‍. وانظر مذهب سيبويه فى الكتاب 1/ 74، وإن لم يستشهد بالآية الكريمة. وانظر إعراب القرآن للنحاس 2/ 28، وتفسير القرطبى 8/ 193.
(¬4) القذّة، بضم القاف وتشديد الذال: ريش السّهم. وقذّ الريش: قطع أطرافه وحذفه، على نحو التدوير والتسوية. وفى الحديث: «لتركبنّ سنن من كان قبلكم حذو القذّة بالقذّة» قال ابن الأثير: يضرب مثلا للشيئين يستويان ولا يتفاوتان. النهاية 4/ 28، والمراد: كما تقدّر كلّ واحدة منهما على قدر صاحبتها وتقطع.

الصفحة 45