كتاب أمالي ابن الشجري (اسم الجزء: 2)

أجمع، وإذا عرفت هذا فدخول القتال الأول تحت الثانى يقوم مقام عود الضمير إليه، ومثل هذا البيت ما أنشده سيبويه (¬1):
ألا ليت شعرى هل إلى أم معمر … سبيل فأما الصّبر عنها فلا صبرا
فالصبر من حيث كان معرفة داخل تحت الصبر المنفىّ، لشياعه بالتنكير، ونظير هذا أنّ قولهم: نعم الرجل زيد، فى قول من رفع زيدا بالابتداء، فأراد: /زيد نعم الرجل، يدخل فيه زيد تحت الرجل، لأن المراد بالرجل هاهنا الجنس، فيستغنى المبتدأ بدخوله تحت الخبر عن عائد إليه من الجملة، ويوضّح لك هذا أن قولك: زيد نعم الرجل، كلام مستقلّ، وقولك: زيد قام الرجل، كلام غير مستقلّ، وإن كان قولك: قام الرجل، جملة من فعل وفاعل، كما أن قولك: نعم الرجل كذلك، ولم يستقم قولك: زيد قام الرجل، حتى تقول: إليه أو معه، أو نحو ذلك، لكون الألف واللام فيه لتعريف العهد، فالمراد به واحد بعينه، والرجل فى قولك: زيد نعم الرجل، بمنزلة الإنسان فى قوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ} (¬2) ألا ترى أنه استثنى منه {الَّذِينَ آمَنُوا} والاستثناء من واحد مستحيل، لا يصحّ إذا استثنيت واحدا من واحد، فكيف إذا استثنيت جمعا من واحد، ومثله: {(وَإِنّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها)} (¬3) والمراد بالإنسان هاهنا الناس كافة، فلذلك قال: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ}.
¬_________
(¬1) الكتاب 1/ 386. والبيت من قصيدة لابن ميادة «الرماح بن أبرد» أورد ابن الشجرى منها خمسة أبيات فى المجلس الثامن والسبعين. وانظرها فى الأغانى 2/ 275،276، وفى شعره ص 134، وتخريجها فى ص 137. وانظر أيضا الجمل المنسوب للخليل ص 37، والمغنى ص 501، وشرح أبياته 7/ 78. والبيت أنشده سيبويه شاهدا على نصب «الصبر» على المفعول لأجله، والتقدير: مهما ذكرت شيئا للصبر، ومن أجله فلا صبر لى. وعلى إنشاد ابن الشجرى يكون «الصبر» مرفوعا على الابتداء، والخبر جملة «لا صبرا» وتقديرها: لا صبر لى. والرابط العموم الذى فى «لا» النافية للجنس.
(¬2) الآية الثانية والثالثة من سورة العصر، وانظر الزيادة الملحقة بالمجلس الحادى والثلاثين.
(¬3) سورة الشورى 48.

الصفحة 5