كتاب أمالي ابن الشجري (اسم الجزء: 2)

وقال آخر (¬1):
فتلك ولاة السّوء قد طال عهدها … فحتّام حتّام العناء المطوّل
وإنما يستفهمون ب‍ «ما» عن غير ذوى العقل (¬2) من الحيوان وغيره، فإذا قال: ما معك؟ قلت: فرس أو جمل أو ثوب أو دينار، أو نحو ذلك، وقد يستفهمون بها عن صفات ذوى العقل، نحو أن يقول: من عندك؟ فتقول: زيد، فلا يعرفه باسمه فيقول: وما زيد؟ فتقول: شابّ عطّار، أو شيخ بزّاز، أو كهل تميميّ، أو نحو ذلك، كما جاء فى التنزيل: {قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ} (¬3).
وقال بعض النحويّين: إنها قد تجيء بمعنى «من» واستشهد بقوله تعالى:
{فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} (¬4) قال: المعنى: فمن يكذّبك؟ لأن التكذيب لا يكون إلاّ من الآدميّين، واستشهد أيضا بما حكاه أبو زيد عن العرب، فى «ما» الخبرية:
«سبحان ما سخّركنّ لنا (¬5)».
والثالث: كونها خبريّة، تلزمها الصّلة، فتأتى بمعنى الذى أو التى أو الذين،
¬_________
= أبلغ قريشا وخير القول أصدقه والصّدق عند ذوى الألباب مقبول ويبقى أن أذكر أن «القيل» الكلمة الأخيرة فى البيت الشاهد قد جاءت فى أصل معانى القرآن للفراء «القتل»، وقد تصحّفت أيضا على بعض أهل العلم، فبنوا عليها خطأ عروضيّا، وهو أن البيت غير مردوف، وكان واجبا فيه. ذكر ذلك ودفعه العلاّمة البغدادىّ فى كتابيه.
(¬1) الكميت. شرح الهاشميات ص 160، والمغنى ص 299، وشرح أبياته 5/ 215، وشرح الشواهد الكبرى 4/ 111، ومعجم الشواهد ص 280.
(¬2) راجع دراسات لأسلوب القرآن الكريم 3/ 42، ومراجعه، وادع لمؤلّفه.
(¬3) سورة الشعراء 23.
(¬4) سورة التين 7، وممن ذهب إلى أن «ما» هنا بمعنى «من» الفراء، فى معانى القرآن 3/ 277، وانظر البحر 8/ 490، وهذا على أن الخطاب للنبىّ عليه السلام. وقيل: إن الخطاب للإنسان، فتكون «ما» على بابها من الاستفهام، أى: فما يحملك أيها الإنسان المكذّب بعد هذه الدلائل والحجج؟ انظر تفسير الطبرى 30/ 160، وإعراب القرآن للنحاس 3/ 736.
(¬5) المقتضب 2/ 296، والأصول 2/ 135، والبغداديات ص 265، وشرح الحماسة ص 1398، والأزهية ص 95، وشرح المفصل 4/ 5،6، وشرح الجمل 1/ 173، والخزانة 6/ 57.

الصفحة 548