فممّا دخلت الفاء فى خبره مع عمل «إنّ» فيه، الموصول فى قوله تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اِسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} (¬1) وفى قوله: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ} (¬2) وفى قوله: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} (¬3).
والوجه الثانى في قوله: {وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ} فى قول بعض البغداديّين: أن تكون (¬4) «ما» شرطيّة، والفعل الذى هو الشرط مضمر، والتقدير:
ما يكن بكم من نعمة فمن الله، واستشهد بقول الشاعر (¬5):
إن العقل فى أموالنا لا نضق به … ذراعا وإن صبرا فنصبر للصّبر
أراد: إن يكن العقل، أى إن تكن الدّية، وقوله: «وإن صبرا» أى وإن نصبر صبرا، بمعنى نحبس حبسا، ومنه قوله تعالى: {وَاِصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} (¬6) ومنه قول عنترة:
¬_________
(¬1) سورة الأحقاف 13.
(¬2) الآية العاشرة من سورة البروج.
(¬3) الآية الثامنة من سورة الجمعة.
(¬4) ذهب إلى هذا أبو زكريا الفراء الكوفىّ، فى معانى القرآن 2/ 104، وهذا مما يقوّى أن «البغداديين» هم الكوفيون. وانظر تقدمتى لكتاب الشعر ص 55، وانظر إعراب القرآن للنحاس 2/ 212.
(¬5) هدبة بن خشرم، من أبيات يخاطب فيها معاوية رضى الله عنه. الأغانى 21/ 264، والكامل ص 1453. والبيت الشاهد فى الكتاب 1/ 259، ومعانى القرآن 2/ 105، والجمل المنسوب للخليل ص 112، والمغنى ص 302، وشرح أبياته 5/ 234، والخزانة 9/ 337، استطرادا. والبيت أورده ابن الشجرى شاهدا على إضمار فعل الشرط قبل «العقل» كما فعل الفراء من قبله، وابن هشام من بعده. لكنّ سيبويه رواه: فإن تك فى أموالنا لا نضق بها ذراعا وإن صبر فنصبر للصبر واستشهاده فى العجز فقط، على أنه يجوز فى «صبر» الرفع والنصب، فالرفع على تقدير «إن وقع صبر» أو «إن كان فينا صبر» والنصب على تقدير: إن كان الذى يقع ويجب صبرا. وذكره فى (باب ما يضمر فيه الفعل المستعمل إظهاره بعد حرف).
(¬6) سورة الكهف 28.