وإنّما غلب على «ليتما» العمل لقوّة شبه «ليت» بالفعل، ألا ترى أن وددت بمعنى تمنّيت، وليت: هي علم التمنّى، فلذلك حسن نصب الجواب فى قولك: وددت أنه زارنى فأكرمه، وكذلك «لو» مختصّة بالفعل، وقد استعملوها للتمنّى كقوله: {لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (¬1) ويدلّك على تقارب إنّما ولكنّما أنه يجوز الرفع بالعطف على موضع «لكنّ» كما يجوز ذلك فى «إنّ» لأنّ موضعيهما رفع بالابتداء، تقول: إنّ زيدا قائم وعمرو، لكنّ بشرا جالس وبكر.
ويدلّك أيضا على تقاربهما أنّ «لكنّ» إذا خفّفت بطل عملها، وصارت من حروف العطف، فارتفع الاسم بعدها بالابتداء، كقوله: {لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ} (¬2)، ولاصقها الفعل فى نحو: ما خرج زيد لكن خرج بكر.
/وكذلك «إنّ» إذا خفّفت غلب عليها الإلغاء، فى نحو: إن زيد لمنطلق، كما قال: {وَإِنْ كُلٌّ لَمّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ} (¬3) و {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمّا عَلَيْها حافِظٌ} (¬4) فى قراءة من قرأ {لَمّا} خفيفة الميم، فأمّا من شدّد الميم، فإن نافية، ولمّا بمعنى إلاّ.
وإعمال «إن» مخففة قليل، قال سيبويه (¬5): حدّثنا من نثق به أنه سمع من العرب من يقول: إن عمرا لمنطلق، وأهل المدينة يقرءون: {وَإِنَّ كُلاًّ لَمّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ} (¬6) يخفّفون وينصبون، كما قال:
¬_________
(¬1) سورة الزمر 58.
(¬2) سورة النساء 166.
(¬3) سورة يس 32.
(¬4) سورة الطارق 4، وراجع المجلس السادس والأربعين، وقد قرأ بتخفيف الميم ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائىّ. وبالتشديد قرأ عاصم وابن عامر وحمزة. السبعة ص 678، والكشف 1/ 536 (هود 111)،2/ 215 (يس 32)،369 (الطارق). وانظر مشكل إعراب القرآن 2/ 469، وإحالات المحقق. وانظر ما يأتى فى المجلس التاسع والسبعين.
(¬5) الكتاب 2/ 140
(¬6) سورة هود 111. وقرأ نافع وابن كثير بتخفيف نون «إن» وميم «لما»، وقرأ-