كتاب أمالي ابن الشجري (اسم الجزء: 2)

فصل
اختلف القرّاء فى رفع النّون ونصبها، من قوله تعالى: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} (¬1)
فقرأ نافع والكسائىّ، وحفص عن عاصم {بَيْنَكُمْ} نصبا، وقرأه الباقون رفعا (¬2).
قال أبو علي: البين: مصدر بان يبين، إذا فارق، واستعمل هذا الاسم على ضربين، أحدهما: أن يكون اسما متصرّفا كالافتراق.
والآخر: أن يكون ظرفا ثم استعمل اسما، والدليل على جواز كونه اسما قوله: {وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ} (¬3) و {هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} (¬4) فلمّا استعمل اسما فى هذه المواضع، جاز أن/يسند إليه الفعل الذى هو {تَقَطَّعَ} فى قول من رفع.
ويدلّ على أن هذا المرفوع هو الذى استعمل ظرفا: أنه لا يخلو من أن يكون الذى هو ظرف اتّسع فيه، أو يكون الذى هو مصدر، فلا يجوز أن يكون هذا القسم؛ لأن التقدير يصير: لقد تقطّع افتراقكم، وهذا خلاف المعنى المراد، ألا ترى أن المراد لقد تقطّع وصلكم وما كنتم تتألّفون عليه.
فإن قلت: كيف جاز أن يكون بمعنى الوصل، وأصله الافتراق والتباين، وعلى هذا قالوا: بان الخليط، إذا فارق، وفى الحديث «ما بان من الحيّ فهو ميتة» (¬5).
¬_________
(¬1) سورة الأنعام 94.
(¬2) راجع المجلس السابع، وزد على المراجع المذكورة هناك: كتاب الشعر ص 306، وشرح الحماسة ص 612،1095.
(¬3) سورة فصلت 5.
(¬4) سورة الكهف 78.
(¬5) لم أجده بهذا اللفظ فى دواوين السنّة التى بين يدىّ. وفى معناه ما رواه ابن ماجة: «ما قطع من حىّ فهو ميت». السّنن (باب ما قطع من البهيمة وهى حيّة، من كتاب الصيد) ص 1073. وانظر أيضا سنن أبى داود (باب فى صيد قطع منه قطعة، من كتاب الصيد) 3/ 111، وعارضة الأحوذى (باب-

الصفحة 591