قالوا: يا رسول الله، إنّ الأنصار قد فضلونا، إنهم آوونا، وفعلوا بنا وفعلوا، فقال:
«ألستم تعرفون ذلك لهم؟ قالوا: بلى (¬1)، قال: فإنّ ذلك» (¬2). قوله: «فإنّ ذلك» معناه:
فإن ذلك مكافأة منكم لهم، أى معرفتكم بصنيعهم وإحسانهم مكافأة لهم، وهذا كحديثه الآخر: «من أزلّت إليه نعمة فليكافئ بها فإن لم يجد فليظهر ثناء حسنا» (¬3) فقوله عليه السلام: «فإن ذلك» يريد به هذا المعنى.
قال أبو عبيد: وهذا اختصار من كلام العرب (¬4)، يكتفى منه بالضمير، لأنه قد علم ما أراد به قائله.
وروى أن رجلا جاء (¬5) إلى عمر بن عبد العزيز، فجعل يمتّ بقرابته، فقال عمر: فإنّ ذاك، ثم ذكر له حاجته فقال: لعلّ ذاك. لم يزده على أن قال: فإنّ ذاك، ولعلّ ذاك، أى إنّ ذاك كما قلت، ولعلّ حاجتك أن تقضى، وقال ابن قيس الرّقيّات.
¬_________
(¬1) فى غريب أبى عبيد «نعم». وعلى هذا استشهد به السّهيلىّ على جواز وقوع «نعم» موقع «بلى» فى الاستفهام من النفى، لكنه قال: «وهو خلاف ما عليه أكثر العرب». أمالى السّهيلى ص 46.
(¬2) لم أجده بهذا اللفظ الذى رواه أبو عبيد، ونقله عناه اللغويون والنحاة. وفى معناه حديث أنس رضى الله عنه، الذى رواه أبو داود فى سننه (كتاب الأدب-باب فى شكر المعروف) 4/ 255، والترمذى (أبواب صفة القيامة-باب حدثنا الحسين بن الحسن المروزىّ بمكة) عارضة الأحوذى 9/ 301، والنسائى فى عمل اليوم والليلة (ما يقول لمن صنع إليه معروفا) ص 222 - تحقيق د. فاروق حمادة-مؤسسة الرسالة 1406 هـ-ومسند أحمد 3/ 200،204. وانظر السير الحثيث إلى الاستشهاد بالحديث ص 523.
(¬3) وهذا أيضا لم أجده بهذا اللفظ عند غير أبى عبيد. وفى معناه حديث جابر، رضى الله عنه، عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم، قال: «من أعطي عطاء فوجد فليجز به، ومن لم يجد فليثن، فإن من أثنى فقد شكر. . .» الحديث. عارضة الأحوذى بشرح صحيح الترمذى (باب ما جاء فى المتشبع بما لم يعط. من كتاب البرّ والصّلة) 8/ 186. وقوله: «أزلّت» أى أسديت إليه وأعطيها. من الزّليل، وهو انتقال الجسم من مكان إلى مكان، فاستعير لانتقال النعمة من المنعم إلى المنعم عليه. يقال: زلّت منه إلى فلان نعمة، وأزلّها إليه. الفائق 2/ 119، والنهاية 2/ 310.
(¬4) زاد أبو عبيد: وهو من أفصح كلامهم.
(¬5) هذا الخبر فى الموضع السابق من غريب أبى عبيد، والبيان والتبيين، والمفصل ص 29.