كتاب أمالي ابن الشجري (اسم الجزء: 2)

كان النصب ضعيفا، لتخالف الكلامين، ونقيض ذلك قوّة النصب فى قوله تعالى:
{وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً} (¬1) وذلك لتقدّم جمل فعليّة، فى قوله عز وجل:
{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ} فلو رفع قارئ ممّن يؤخذ بقراءته فقال: {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ} ساغ الرفع فى العربيّة على ضعف.
وفى قوله تعالى: {فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} (¬2) قولان: أحدهما أن تنصب {فَرِيقاً} الأول، على أنه مفعول قدّم على ناصبه، لأن {هَدى} لم يشغل عنه بالعمل فى غيره، وتنصب {فَرِيقاً} الثانى بإضمار فعل، فى معنى قوله: {حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} تقديره: وأضلّ فريقا، فعلى هذا القول يكون الوقف على قوله: {كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} (¬3) والقول الثانى: أن تنصب فريقا وفريقا، على الحال من المضمر فى {تَعُودُونَ} أى تعودون فريقا مهديّا وفريقا مضلاّ، فعلى هذا القول لا يجوز الوقف على {تَعُودُونَ} لتعلق الحال بما قبلها، ويقوّى هذا القول قراءة (¬4) أبىّ بن كعب: «تعودون فريقين فريقا هدى وفريقا حقّ عليهم الضّلالة».
/وقوله جلّ وعلا: {يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً} (¬5) انتصاب (¬6) {الظّالِمِينَ} فيه بتقدير حذف «يعذّب» لأن قوله: {أَعَدَّ لَهُمْ}
¬_________
(¬1) سورة الإسراء 12.
(¬2) سورة الأعراف 30، وهذان القولان اللذان ذكرهما ابن الشجرى فى توجيه النصب، أوردهما مكى فى مشكل إعراب القرآن 1/ 311، وكأن ابن الشجرى ينقل عنه، أو كأن الاثنين ينقلان عن مصدر واحد. وأغار أبو البركات الأنبارى على ما ذكره الرجلان، دون عزو، كما هو شأنه فى كتابه البيان 1/ 359، وأصل الكلام كله عند الفراء فى معانى القرآن 1/ 376، وأيضا 240، وانظر الكتاب 1/ 89.
(¬3) سورة الأعراف 29.
(¬4) راجع معانى القرآن، الموضع السابق. وإيضاح الوقف والابتداء ص 653.
(¬5) آخر سورة الإنسان.
(¬6) هذا الذى ذكره ابن الشجرى كلّه عند مكى فى مشكل إعراب القرآن 2/ 443، مع تغيير يسير فى بعض العبارات. والعجب من ابن الشجرى يحمل على مكى ثم يستاق كلامه-

الصفحة 86