كتاب أمالي ابن الشجري (اسم الجزء: 2)

/والضّرب الثالث من حذف الفعل، حذفه للدلالة عليه، كقولك إذا كنت محذّرا: الأسد الأسد، وكذلك: الطريق الطريق، تريد: خلّ الطريق، وقد أظهر الشاعر هذا الفعل، فى قوله (¬1):
خلّ الطّريق لمن يبنى المنار به … وابرز ببرزة حيث اضطرّك القدر
ومثله: النّجاء النّجاء، تريد: انج النّجاء، ولا بدّ من تكرير المنصوب إذا حذفت الفعل، فإن أظهرته لم تكرّره، ولكن تقول: انج النّجاء، وخلّ الطريق، واحذر الأسد، وقد يقوم العطف مقام التكرير، كقولهم: «أهلك واللّيل»، فهذا تقديره فى الإعراب: بادر أهلك (¬2) وبادر اللّيل، وتقديره فى المعنى: بادر أهلك قبل الليل، ومثله: رأسه والجدار، تقديره فى الإعراب: انطح رأسه والجدار، وفى المعنى: انطح رأسه بالجدار، ومثله فى العطف: {ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها} (¬3) أى احذروا ناقة الله وسقياها، وفيه تقدير حذف مضافين، أى احذروا عقر ناقة الله، وقطع سقياها، ومنه قول الحطيئة (¬4):
فإيّاكم وحيّة بطن واد … هموز النّاب ليس لكم بسيّ
قدّره النحويّون: إيّاكم احذروا، كأنه حذّرهم أنفسهم مع الحيّة الذى (¬5) وصفه، أى احذروا تسويل أنفسكم عداوة حيّة، من صفته كذا وكذا.
¬_________
(¬1) جرير. ديوانه ص 211، وتخريجه فى ص 1068، وزد عليه: التصريح 2/ 195، وشرح الأشمونى 3/ 191، و «برزة» هنا: اسم أمّ عمر بن لجأ التيمى. راجع اللسان (برز).
(¬2) المنصف 1/ 131 - وتكلم عليه ابن جنى كلاما عاليا-والفصول الخمسون ص 195.
(¬3) سورة الشمس 13.
(¬4) ديوانه ص 38، والخصائص 3/ 220، والمنصف 2/ 2، وشرح الحماسة للمرزوقى ص 417 وشرح المفصل 2/ 85، والخزانة 5/ 86، واللسان (سوا). ويأتى هذا البيت أيضا شاهدا على جرّ «هموز» على الجوار لقوله «واد» وإلاّ فحقّه النصب؛ لأنه صفة لحيّة.
(¬5) الحية تذكر وتؤنث. قال الأخطل: إن الفرزدق قد شالت نعامته وعضّه حيّة من قومه ذكر -

الصفحة 97