كتاب أمالي ابن الشجري (اسم الجزء: 2)

التقدير: ارجع وراءك وائت مكانا أوسع لك، فحذفوا الفعلين والموصوف الذى هو المكان، وكذلك حسبك خيرا لك، معناه: اكتف ائت أمرا خيرا لك، وأمّا قوله تعالى: {وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ اِنْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ} (¬1) ففيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن التقدير: يكن خيرا، وهذا قول الكسائى (¬2)، ومن مذهب سيبويه أنّ «كان» لا يجوز إضمارها إلا مع «إن» فيما قدّمته من قولهم: «الناس مجزيّون بأعمالهم، إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ».
والثانى: أن {خَيْراً} صفة مصدر محذوف، تقديره: انتهوا انتهاء خيرا لكم، وهو قول (¬3) الفرّاء، وهذا القول ليس فيه زيادة فائدة على ما دلّ عليه {اِنْتَهَوْا} لأن انتهوا يدلّ على الانتهاء بلفظه، فيفيد ما يفيده الانتهاء (¬4).
والثالث: قول سيبويه (¬5)، وهو أن التقدير: ائتوا خيرا لكم، وفى هذا التقدير فائدة عظيمة، لأنه نهاهم بقوله: {اِنْتَهَوْا} عن التثليث، وأمرهم بقوله: ائتوا خيرا لكم، بالدخول فى التوحيد، فكأنه قال: انتهوا عن قولكم: آلهتنا ثلاثة، وأتوا خيرا
¬_________
(¬1) سورة النساء 171.
(¬2) وهو قول أبى عبيدة أيضا. وتراه فى مجاز القرآن 1/ 143، وانظر إعراب القرآن للنحاس 1/ 475، وتفسير الطبرى 9/ 413 - 415، ومشكل إعراب القرآن 1/ 214، والبحر 3/ 400.
(¬3) معانى القرآن 1/ 295، ولم يقله الفراء صراحة، وقد أول محقق المعانى-رحمه الله رحمة واسعة كلام الفراء، تأويلا ينتهى إلى ما ذكره الناقلون عنه. وانظر تعقّب الزجاج الفراء، فى معانى القرآن وإعرابه 2/ 134. ويبقى شيء. وهو أن الفراء إنما ذكر هذا الإعراب فى الآية السابقة، وهى قوله تعالى: فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ. ولهذا قال الزجاج: «قال الفراء: انتصب هذا وقوله خَيْراً لَكُمْ لأنه متصل بالأمر. . .» فقوله «هذا» إشارة إلى ما فى الآية (70) والذى بعده من الآية (171) التى أدار عليها الكلام ابن الشجرى.
(¬4) تعقّب الأخفش الصغير علىّ بن سليمان قول الفراء بمثل ما ذكره ابن الشجرى، قال: هذا خطأ فاحش؛ لأنه يكون المعنى: انتهوا الانتهاء الذى هو خير لكم». إعراب القرآن للنحاس 1/ 476، وتفسير القرطبى 6/ 25.
(¬5) راجع الكتاب 1/ 282.

الصفحة 99