كتاب المقصد الارشد (اسم الجزء: 2)

وَلم يكن فِي زَمَانه بعد أَخِيه أبي عمر والعماد أزهد وَلَا أورع مِنْهُ وَكَانَ كثير الْحيَاء عزوفا عَن الدُّنْيَا وَأَهْلهَا لينًا متواضعا محبا للْمَسَاكِين حسن الْأَخْلَاق جوادا سخيا من رَآهُ كَأَنَّمَا رأى بعض الصَّحَابَة وَكَأن النُّور يخرج من وَجهه كثير الْعِبَادَة يقْرَأ كل يَوْم وَلَيْلَة سبعا من الْقُرْآن وَلَا يُصَلِّي السّنة إِلَّا فِي بَيته وَكَانَ يحضر مجالسي دَائِما فِي جَامع دمشق وقاسيون وَقَالَ شاهدت من الشَّيْخ أبي عمر وأخيه الْمُوفق ونسيبه الْعِمَاد مَا نرويه عَن الصَّحَابَة والأولياء الْأَفْرَاد فأنساني حَالهم أَهلِي وأوطاني ثمَّ عدت إِلَيْهِم على نِيَّة الْإِقَامَة عَسى أَن أكون مَعَهم فِي دَار المقامة وَقد أثنى عَلَيْهِ الْأَئِمَّة كَابْن النجار وَعمر ابْن الْحَاجِب وَأبي شامة وصنف الضياء فِي مناقبه وَسيرَته جزءين وَذكر فِيهِ أَنه إِمَام فِي الْقُرْآن وَتَفْسِيره إِمَام فِي الحَدِيث ومشكلاته أَمَام فِي الْفِقْه بل أوحد زَمَانه فِيهِ إِمَام فِي علم الْخلاف إِمَام فِي الْفَرَائِض إِمَام فِي الْأُصُول إِمَام فِي النَّحْو إِمَام فِي الْحساب إِمَام فِي النُّجُوم السيارة ومنازلها قَالَ وَلما قدم بَغْدَاد قَالَ لَهُ الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح ابْن المنى اسكن هُنَا فَإِن بَغْدَاد مفتقرة إِلَيْك وَأَنت تخرج مِنْهَا وَلنْ تخلف فِيهَا مثلك وَكَانَ الْعِمَاد يعظمه كثيرا وَيجْلس بَين يَدَيْهِ كجلوس المتعلم من الْعَالم وَذكر ابْن غنيمَة قَالَ مَا أعرف أحدا فِي زَمَاننَا أدْرك دَرَجَة الِاجْتِهَاد إِلَّا الْمُوفق وَقَالَ أَبُو عَمْرو ابْن الصّلاح مَا رَأَيْت مثل الشَّيْخ الْمُوفق وَله مصنفات كَثِيرَة فِي أصُول الدّين وأصول الْفِقْه واللغة والأنساب والزهد وَالرَّقَائِق وَغير ذَلِك وَلَو لم يكن من تصانيفه إِلَّا الْمُغنِي لكفى وشفى قَالَ الْحَافِظ الضياء رَأَيْت الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل فِي النّوم وَألقى على مَسْأَلَة فِي الْفِقْه فَقلت هَذِه فِي الخرقى فَقَالَ مَا قصر صَاحبكُم الْمُوفق فِي شرح الخرقى

الصفحة 17