كتاب اجتماع الجيوش الإسلامية

وَنُوَّابِهِ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ، وَالْمُعْتَزِلَةِ وَكُلِّ مَنِ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ سِكَّةً وَضَرْبًا وَنَقْدًا يُرَوِّجُهُ بَيْنَ الْعَالَمِ فَهَذِهِ الْأَثْمَانُ كُلُّهَا زُيُوفٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي ثَمَنِ جَنَّتِهِ شَيْئًا مِنْهَا بَلْ تُرَدُّ عَلَى عَامِلِهَا أَحْوَجَ مَا يَكُونُ إِلَيْهَا وَتَكُونُ مِنَ الْأَعْمَالُ الَّتِي قَدَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا فَجَعَلَهَا هَبَاءً مَنْثُورًا وَلِصَاحِبِهَا نَصِيبٌ وَافِرٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 103] وَهَذَا حَالُ أَرْبَابِ الْأَعْمَالِ الَّتِي كَانَتْ لِغَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ عَلَى غَيْرِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَالُ أَرْبَابِ الْعُلُومِ وَالْأَنْظَارِ الَّتِي لَمْ يَتَلَقَّوْهَا عَنْ مِشْكَاةِ النُّبُوَّةِ، وَلَكِنْ تَلَقَّوْهَا عَنْ زُبَالَةِ أَذْهَانِ الرِّجَالِ وَكُنَاسَةِ أَفْكَارِهِمْ فَأَتْبَعُوا قُوَاهُمْ وَأَفْكَارَهُمْ وَأَذْهَانَهُمْ فِي تَقْرِيرِ آرَاءِ الرِّجَالِ أَوِ الِانْتِصَارِ لَهُمْ، وَفَهْمِ مَا قَالُوهُ وَبَثِّهِ فِي الْمَجَالِسِ وَالْمَحَاضِرِ، وَأَعْرَضُوا عَمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَفْحًا، وَمَنْ بِهِ رَمَقٌ مِنْهُمْ يُعِيرُهُ أَدْنَى الْتِفَاتٍ طَلَبًا لِلْفَضِيلَةِ.
وَأَمَّا تَجْرِيدُ اتِّبَاعِهِ وَتَحْكِيمُهُ وَاسْتِفْرَاغُ قُوَى النَّفْسِ فِي طَلَبِهِ وَفَهْمِهِ وَعَرْضُ آرَاءِ الرِّجَالِ عَلَيْهِ " وَرَدُّ مَا يُخَالِفُهُ مِنْهَا وَقَبُولُ مَا وَافَقَهُ وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ آرَائِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ " إِلَّا إِذَا أَشْرَقَتْ عَلَيْهَا شَمْسُ الْوَحْيِ وَشَهِدَ لَهَا بِالصِّحَّةِ فَهَذَا أَمْرٌ لَا تَكَادُ تَرَى أَحَدًا مِنْهُمْ يُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ أُخَيَّتَهُ وَمَطْلُوبَهُ وَهَذَا الَّذِي لَا يُنْجِي سِوَاهُ فَوَارَحْمَتًا لِعَبْدٍ شَقِيٍّ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَاسْتَفْرَغَ فِيهِ قُوَاهُ وَاسْتَنْفَذَ فِيهِ أَوْقَاتَهُ وَآثَرَهُ عَلَى مَا النَّاسُ فِيهِ، وَالطَّرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْدُودٌ، وَقَلَبُهُ عَنِ الْمُرْسِلِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَتَوْحِيدِهِ وَالْإِنَابَةِ إِلَيْهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَالتَّنَعُّمِ بِحُبِّهِ

الصفحة 89