كتاب المعتمد في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

تَعَالَى لَا يكلفنا اتِّبَاع سَبِيل الْمُؤمنِينَ إِلَّا وَلنَا طَرِيق إِلَى معرفَة كَونهم مُؤمنين وَإِذا كَانَ قد جعل لنا سَبِيلا إِلَى معرفَة الظَّاهِر دون الْبَاطِن علمنَا أَنه أَرَادَ اتِّبَاع سَبِيل من ظَاهره اسْتِحْقَاق الثَّوَاب والمدح وَأَنه لم يكلفنا الْبَاطِن
إِن قيل لَيْسَ يَصح التَّعْلِيق بِالْآيَةِ على قَول شيوخكم وَلَا على قَول غَيرهم أما قَول شيوخكم فالمؤمنون عِنْدهم المستحقون للثَّواب والمدح فَمَا يؤمنكم إِذا اتّفقت الامة على قَول أَن يكون ذَلِك خطأ يخرجُون بِهِ من اسْتِحْقَاق الثَّوَاب والمدح فاذا لم يأمنوا ذَلِك لم يأمنوا كَونهم مُؤمنين إِلَّا بعد الِاسْتِدْلَال بِغَيْر قَوْلهم على أَن ذَلِك القَوْل حق وصواب وَذَلِكَ يخرج قَوْلهم من أَن يكون دَلِيلا على كَونه صَوَابا وَشرط كَون قَوْلهم دَلِيلا أَن يكون قولا صادرا عَن مُؤمنين وَأَنْتُم إِنَّمَا تعلمُونَ هَذَا الشَّرْط بعد الْعلم بالمدلول وَهُوَ صِحَة قَوْلهم
فان قُلْتُمْ إِنَّهُم إِذا اتَّفقُوا على حكم هُوَ من الْفُرُوع لم يسْتَحقُّونَ بِهِ الذَّم لِأَن كل مُجْتَهد فِي الْفُرُوع مُصِيب وَلِأَنَّهُ خطأ مغْفُور قيل لكم الْمعول فِي ذَلِك هُوَ على الْإِجْمَاع فَمَتَى لم يثبت أَن الْإِجْمَاع حجَّة لم يَصح أَن يعلم ذَلِك على أَن ذَلِك يمْنَع من الِاسْتِدْلَال بِهَذِهِ الْآيَة على حجية الْإِجْمَاع فِي غير مسَائِل الِاجْتِهَاد
فان قُلْتُمْ إِن الْآيَة تدل على اتِّبَاع قَول الْمُؤمنِينَ لأجل قَوْلهم لَا لدَلِيل آخر على مَا تقدم بَيَانه وَذَلِكَ يَقْتَضِي كَونهم مُعينين غير موصوفين فَيجب أَن يكون المُرَاد بقوله {وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ} على مُوجب اللُّغَة أَو من كَانَ ظَاهره قبل مَا أَجمعُوا على أَنه مُسْتَحقّ للثَّواب لأَنا إِن لم نحمل الْآيَة على ذَلِك لم يَصح اتِّبَاع قَوْلهم لأجل أَنهم قَالُوهُ قيل لكم لَسْتُم بِأَن تعدلوا عَن الظَّاهِر فَتَحملُوا الْآيَة على التَّصْدِيق أَو تحملوا الْمُؤمنِينَ على من كَانَ قبل ذَلِك الْإِجْمَاع يسْتَحق الْمَدْح فِي الظَّاهِر وتمسكوا بِالظَّاهِرِ فِي وجوب اتباعهم لأجل قَوْلهم بِأولى من أَن تتمسكوا علينا اتِّبَاع سَبِيل الْمُؤمنِينَ الموصوفين سَوَاء كَانُوا موجودين

الصفحة 13