كتاب المعتمد في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

أَو غير موجودين كَمَا نقُول اتبع سَبِيل الصَّالِحين وَأَنت تُرِيدُ صالحين موصوفين أَي وَاتبع سَبِيلا من حَقّهَا أَن تكون سَبِيل الصَّالِحين وَهِي الَّتِي كَانُوا بهَا صالحين أَو يكون المُرَاد اتبع سَبِيل الْمُؤمنِينَ فِي ترك مشاقة الرَّسُول فاذا اعتدل التأويلان سقط احتجاجكم بِالْآيَةِ
وَأما غير شيوخكم فانهم وَإِن قَالُوا إِن الْمُؤمن فِي الشَّرِيعَة هُوَ الْمُصدق بِاللَّه وبرسوله فانه إِنَّمَا لم يَصح لَهُم الِاحْتِجَاج بِالْآيَةِ لِأَن ظَاهر قَوْله تَعَالَى {وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ} يدل على حظر مُخَالفَة جمَاعَة هم مصدقون بِاللَّه بقلوبهم وَذَلِكَ لَا سَبِيل إِلَيْهِ
فان قَالُوا المُرَاد بذلك الْمُؤْمِنُونَ فِي الظَّاهِر دون الْبَاطِن لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يُكَلف اتِّبَاع من لَا سَبِيل لنا إِلَى الْعلم بِهِ قيل لَهُم قد تركْتُم الظَّاهِر لِأَن من يظْهر الْإِيمَان وَلَا يَعْتَقِدهُ لَيْسَ بِمُؤْمِن على التَّحْقِيق وَالْآيَة تفِيد تَعْلِيق الْوَعيد على من خَالف من هُوَ مُؤمن على الْحَقِيقَة فان جَازَ لكم أَن تعدلوا عَن هَذَا الظَّاهِر جَازَ لنا أَن نقُول المُرَاد بِالْآيَةِ سَبِيل الْمُؤمنِينَ الموصوفين على مَا تقدم بَيَانه وَترك الظَّاهِر فِي كَون الْمُؤمنِينَ الْمَذْكُورين فِي الْآيَة مُعينين إِن كَانَ الظَّاهِر يُفِيد كَونهم مُعينين فنترك ظَاهرا فِي الاية ونتمسك بِغَيْرِهِ كَمَا تركْتُم ظَاهرا فِي الاية وتمسكتم بِغَيْرِهِ
دَلِيل قَوْله تَعَالَى {واعتصموا بِحَبل الله جَمِيعًا وَلَا تفَرقُوا} وَقد قيل إِنَّه اسْتدلَّ بذلك بِأَن أَمر بالاعتصام بِحَبل الله على أَنهم قد اعتصموا بِهِ وَهَذَا بَاطِل لِأَن الْأَمر لَا يدل على وُقُوع امتثاله
وَيُمكن أَن يسْتَدلّ بِالْآيَةِ من وُجُوه أخر
مِنْهَا أَن يُقَال إِذا أجمع أهل الْعَصْر على قَول لم يجز لبَعْضهِم أَن يتْرك هَذَا

الصفحة 14