كتاب المعتمد في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

القَوْل لأَنهم إِذا فعلوا ذَلِك كَانُوا قد تفَرقُوا وَالله تَعَالَى قد نهى عَن ذَلِك وَالْجَوَاب أَنه إِن كَانَ مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ حَقًا فقد حرم عَلَيْهِم التَّفَرُّق عَنهُ وَإِن كَانَ خطأ وَجب عَلَيْهِم بأجمعهم الْعدْل عَنهُ وَالْإِجْمَاع على الْحق وَأَن لَا يتفرقوا عَنهُ فقد قَالَ الْمُخَالف إِنَّه يحرم عَلَيْهِم التَّفَرُّق وَإِن لم يحصل الْإِجْمَاع حَقًا
وَمِنْهَا أَن يُقَال إِذا أجمع أهل الْعَصْر على قَول لم يجز لأهل الْعَصْر الثَّانِي أَن يخالفوهم لِأَنَّهُ إِذا خالفهم أهل الْعَصْر الثَّانِي كَانَ أهل الْعَصْر الثَّانِي قد تفَرقُوا وَالْجَوَاب أَنه لَا يوصفون بِأَنَّهُم متفرقون إِذا أَجمعُوا على مُخَالفَة أهل الْعَصْر الأول فان افْتَرَقُوا هم على قَوْلَيْنِ فقد نهوا عَن ذَلِك لِأَنَّهُ يجب عَلَيْهِم الِاجْتِمَاع على الْحق
وَمِنْهَا أَن يُقَال إِذا خَالف أهل الْعَصْر الثَّانِي لأهل الْعَصْر الأول فقد صَار أهل الْعَصْر الأول مَعَ الثَّانِي مُتَفَرّقين وَالنَّهْي يمْنَع من ذَلِك وَالْجَوَاب أَن أهل الْعَصْر الأول غير موجودين فِي هَذِه الْحَالة فَيُقَال إِنَّهُم مَعَ أهل الْعَصْر الثَّانِي منهيون عَن التَّفَرُّق وَأَيْضًا فان الْمَفْهُوم من قَوْله تَعَالَى {واعتصموا بِحَبل الله جَمِيعًا} وَقَوله {وَلَا تفَرقُوا} هُوَ أَن لَا يتفرقوا فِي الِاعْتِصَام بِحَبل الله كَمَا أَن الْمَفْهُوم من قَول الْإِنْسَان لعبيده ادخُلُوا الدَّار أَجْمَعِينَ أَي لَا تتفرقوا فِي دُخُول الدَّار فَيجب على الْمُسْتَدلّ أَن يبين مَا أجمع أهل الْعَصْر عَلَيْهِ اعتصام بِحَبل الله تَعَالَى حَتَّى يعلم من بعدهمْ أَنهم قد نهوا عَن مفارقتهم وَهَذَا غير ظَاهر لِأَن قَوْله وَلَا تفَرقُوا مُطلق فِي النَّهْي عَن التَّفَرُّق فَيتَنَاوَل كل شَيْء
دَلِيل قَالَ الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول وأولي الْأَمر مِنْكُم فَإِن تنازعتم فِي شَيْء فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول} فَشرط التَّنَازُع فِي وجوب الرَّد إِلَى الْكتاب وَالسّنة فَدلَّ أَنهم إِذا لم يتنازعوا لم يجب الرَّد لِأَن

الصفحة 15