كتاب المعتمد في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

مُوجبَة وَقد تركت الصَّحَابَة آرائهم بِخَبَر حمل بن مَالك وصاروا إِلَى خبر عبد الرَّحْمَن فِي الْمَجُوس وَأَجْمعُوا على أَنه لَا تنْكح الْمَرْأَة على عَمَّتهَا بِخَبَر وَاحِد
وَإِن قَالُوا لم يجمعوا على ذَلِك إِلَّا لقِيَام الْحجَّة بِهِ قيل تثبتوا ذَلِك حَتَّى يَصح استدلالكم وَلَو كَانُوا أَجمعُوا على ذَلِك لقِيَام الْحجَّة بِهَذِهِ الْأَخْبَار لم يَصح الِاسْتِدْلَال بذلك على قبُول الْأَخْبَار المظنونة
فان قَالُوا أَلَيْسَ بعض أَخْبَار الْآحَاد لم يجمعوا على مُوجبهَا قيل إِنَّا لم نوجب أَن يجمعوا على مُوجب خبر الْوَاحِد وَإِنَّمَا جَوَّزنَا ذَلِك وجوزنا خِلَافه فَلم يلْزمنَا مَا ذكرْتُمْ
فان قيل لَا يجوز على التَّابِعين مَعَ شدَّة تدينهم وإعظامهم للدّين أَن يقطعوا على كَون شَيْء حجَّة فِي الشَّرْع بِمَا لَا يُوجب الْقطع وَالْيَقِين كَمَا لَا يجوز وَالْحَال هَذِه أَن يقبلُوا خبر وَاحِد فِي جَوَاز نسخ الشَّرْع بِحَسب شهوات بَعضهم وَالْجَوَاب أَنه يجوز أَنهم اعتقدوا ذَلِك لشُبْهَة كَمَا اعْتقد كثير من أَصْحَاب الحَدِيث فِي الله تَعَالَى مَا يَسْتَحِيل عَلَيْهِ لأخبار آحَاد بالتقليد وَلَا يمْتَنع أَن يَكُونُوا ظنُّوا صدق الرَّاوِي وَلم يقطعوا بِهِ فظنوا أَن الْإِجْمَاع حجَّة واعتقدوا وجوب مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ لأَنهم قد ظنُّوا صِحَّته كَمَا اعتقدوا وجوب قبُول خبر الْوَاحِد فِي الْأَحْكَام إِذا ظنُّوا صدق الرَّاوِي وَمَا ذَكرُوهُ من اعْتِقَادهم النّسخ بِحَسب الشَّهَوَات فانه يجوز عَلَيْهِم أَن يقبلُوا خَبرا مرويا فِي ذَلِك إِلَّا أَن يعلم أَن إِجْمَاعهم حجَّة أَو يعلم أَنهم قد استبعدوا تغير الشَّرْع بِحَسب شهوات النَّاس فَمنع هَذَا الاستبعاد من إِجْمَاعهم على صِحَة الْخَبَر وَلَيْسَ اتِّفَاق الامة على الْحق بمستبعد كاستبعاد تغير الشَّرْع بالشهوات بل الْأَغْلَب عِنْد النَّاس أَن الْحق لَا يخفى على الْجمع الْكثير وَالنَّاس الشَّرِيفَة يعظمون الامة فَالْخَبَر الْوَاحِد يَنْفِي الْخَطَأ عَنْهُم ويطابق هَذَا المستقر فِي أنفسهم وورود الْخَبَر بنسخ الشَّرِيعَة بِحسن الشَّهَوَات يُنَافِي لما تكن فِي نفوس الامة

الصفحة 18