كتاب المعتمد في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

وَلَيْسَ يمْتَنع أَن يسْتَدلّ مستدل على وجوب الْمصير إِلَى الْإِجْمَاع بأخبار الْآحَاد لِأَن الْعقل عندنَا يدل على وجوب قبُول خبر الْوَاحِد من حَيْثُ التَّحَرُّز عَن المضار فاذا روى الْوَاحِد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أمته لَا تَجْتَمِع على خطأ ظننا أَنهم كَذَلِك ولزمنا الْعَمَل بِمَا حكمُوا بِهِ كَمَا أَن الْمُسَافِر لَو أخبرهُ من ظَاهره الصدْق عَن بعض من يَثِق بِهِ أَنه يَأْمر بِالرُّجُوعِ فِي سَفَره إِلَى رثد فِي طَرِيقه فانه لَا يغلط أَو أَنه قَلِيل الْغَلَط فِي السّفر لزمَه الرُّجُوع إِلَيْهِ إِذا غلب على ظَنّه صدق الرَّاوِي وإصابته من أمره بِالرُّجُوعِ إِلَى رثد إِلَّا أَن هَذِه الْأَخْبَار لَا تَقْتَضِي الْقطع على إِصَابَة المجتمعين وَإِنَّمَا يسوغ الِاسْتِدْلَال بِالْإِجْمَاع فِي الْأَعْمَال دون الْعُلُوم
فَأَما الْكَلَام فِي متن الْخَبَر فقد تقدم طرف مِنْهُ وَهُوَ كَيْفيَّة الِاسْتِدْلَال بِهِ وَيرد عَلَيْهِ وُجُوه
مِنْهَا أَن يُقَال هلا كَانَ الْخَطَأ الْمَنْفِيّ عَنْهَا هُوَ السَّهْو وَلَيْسَ هُوَ خلاف الْحق وَالْجَوَاب أَن الْجَمَاعَة المعظمة لَا تَجْتَمِع على السَّهْو كَمَا لَا يجوز أَن تَجْتَمِع على مأكل وَاحِد فَلَو كَانَ المُرَاد مَا ذَكرُوهُ لم يكن فِيهِ فَائِدَة كَمَا لَو قَالَ أمتِي لَا تَجْتَمِع على مأكل وَاحِد وَأَيْضًا فَجَمِيع الامم لَا يجوز أَن يجتمعوا على السَّهْو فمدح هَذِه الْأمة بذلك وتخصيصهم بِهِ لَا فَائِدَة فِيهِ
وَمِنْهَا أَنه رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لم يكن الله ليجمع أمتِي على الْخَطَأ قَالُوا وَنحن نقُول بذلك لِأَن الله تَعَالَى لَا يحمل الْعباد على الْخَطَأ وَالْجَوَاب أَنا نجمع بَين الْخَبَرَيْنِ فَنَقُول لَا يَجْتَمعُونَ على الْخَطَأ وَلم يكن الله ليجمعهم على الْخَطَأ على أَن الله تَعَالَى لَا يحمل أحدا على الْخَطَأ فَلَو كَانَ المُرَاد بالْخبر هَذَا لم يكن فِي تَخْصِيص الامة بِهِ معنى
وَمِنْهَا أَنه رُوِيَ أَنه قَالَ أمتِي لَا تَجْتَمِع على ضلال والضلال هُوَ الْكفْر دون غَيره وَالْجَوَاب أَنا نجمع بَين ذَلِك وَبَين الْخَبَر النَّافِي لأنواع الْخَطَأ عَنْهُم

الصفحة 19